هذا الكتاب:
لا تقوم هذه الدراسة على فرضية لإثبات عمق الاتجاه القومي في الوجدان، فهذه حقيقة لا تحتاج الآن لتأكيد أو برهان، وإنما تقوم -في الأساس الأول- على رصد درجات الإحساس بالانتماء إلى أمة واحدة، والوعي بمفهوم القومية العربية في درجاتها القصوى.
وللوصول إلى ذلك سعى الباحث إلى رصد حركة الفكر والتعبير القومي عبر أحد أهم أجناس الأدب العربي المعاصر قاطبة: الرواية, ذلك لأن رصد المشهد الروائي عبر إعادة إنتاج الدلالة إنما هو رصد لرد فعل الجماهير العربية فإذا افترضنا أن العمل الروائي يعبر عن الوعي (الممكن)، لانتهينا إلى أن الرواية تكون -بالتبعية- أكثر من غيرها تعبيرا عن حركة الوعي العروبي سواء على مستوى الشارع العربي، أو على مستوى المؤسسات السياسية والثقافية، أو عبر أجهزة رسمية وغير رسمية تخضع لتوجهات الغرب وسعيه للسيطرة على مقدرات الأمة العربية.
وتظل الرواية أكثر من غيرها تعبيرا عن القضايا القومية الكبرى، لما فيها من إمكانات كثيفة مستبطنة، وخاصة أن دارس تاريخ الأفكار في الوطن العربي يمتلك رؤية تركيبية تعي أن ثمة علاقة وثيقة تقوم بين الرواية كدلالة مرجعية وبين فكرة القومية العربية.
ويطرح هذا الكتاب، لأول مرة، عبر الرواية العربية، أسئلة كثيرة في هذا الصدد، ويحاول الإجابة عنها.
هذا الكتاب:
يحاول هذا الكتاب أن يجيب عن السؤال: ما مستقبل المسرح الشعري العربي؟
وهو سؤال يفرض نفسه في الفترة الأخيرة، حين غاب أو غيب المسرح الشعري بفعل فضاءات "العولمة" وغلالات الأمية الثقافية واستفحال الفساد في مختلف الميادين لأكثر من ربع قرن أو يزيد، وهو سؤال حاول أن يؤكد بدهية أن التراجيديا الشعرية العربية في سياقها الأخير كانت تعبيرا حادا عن الهوية في بدايات تكوينها، أو بشكل أدق، عن فترة الصراع الكبرى التي تسبق البحث عن الذات وتأكيدها، فارتباط النص بالشعرية يعكس ارتباطا وثيقا بالهوية العربية التي تبدو خطوط الطيف فيها متنقلة في عديد من الأقطار العربية والإسلامية، غير أنها تعكس -في السياق الأخير- الوعي بـ"الهوية" والعمل لها، وكما يمكننا رصد ملامح الهوية اليونانية القديمة وأوروبا عصر النهضة بهذه الهوية أو تلك، كذلك يمكننا رصد تأكيد هذه الهوية وتأصيلها في الدراما العربية من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق في الكويت والبحرين خاصة، وقد أصبحت "الفرجة" أهم عناصر الدراما التي تتجدد فيها وتتحدد رسالة "المثقف" الحقيقي، وحيث خرج البعض ممن تنبه إلى خطورة هذا الجنس الأدبي أو النوع الأدبي -الدراما الشعرية- إلى آفاق واسعة عرفنا معها كثيرا من تحول المعاني وتحولات الصوت والصمت والمعنى في شكل المدونة الدرامية، بل حين شهد التطور آفاقا أبعد عالميا، فإذ بنا نلحظ هذا التطور الدرامي ليس عبر النص الدرامي وتحولاته المعروفة فقط، وإنما -أيضا- عبر التوزيع الأوركسترالي، فضلا عن التجديد في تلقى القيم الدرامية، سواء في مشاركة الجمهور على خشبة المسرح أو عبر قاعة النظارة أو مشاركة "عالم الويب"، إلى غير ذلك. كما سعى المؤلف هنا إلى رصد دور كاتب "الفرجة" في المشرق عبر المسرح الشعري العربي الجمعي في محورين: الزمني والموضوعي للإجابة عن السؤال المحوري هنا: ما مستقبل المسرح الشعري العربي؟ محاولا أن يعيد فيه عبر الإجابة حقيقة أن تأكيد الهوية يعني تأكيد قيم الدراما الشعرية، ويكفي أن نعيد هذه الصيحة التي تعلو في بلادنا من دمشق إلى القاهرة إلى برقة إلى الكويت إلى مراكش.
لقد حاول المؤلف هنا أن يؤكد أن المهمة، الحقيقية، للمثقف الكاتب الدرامي تتحدد في أن يخرج من الكواليس إلى قاعة المسرح، من خشبة العرض إلى الجمهور العريض في هذا الفضاء المتنامي خارجه، من المسرح القومي بالقاهرة إلى المسرح التجريبي بالشارقة، إلى مسرح الصواري بالبحرين، إلى مسرح الفاشر بالسودان، إلى المسرح العمالي بحمص، إلى المسرح الاحتفالي بالمغرب، إلى غير ذلك من المسارح التي تسعى إلى استيعاب الأزمة للوصول إلى المستقبل.