تغطية أعمال الندوة الفكرية "المسرح والحرب" ضمن انشطة مهرجان المسرح الـ15

14 ديسمبر, 2014

استعرضت 7 أبحاث في جلستين وشهدت مناقشات ثرية

الندوة الفكرية ناقشت المسرح والحرب .. البعد العربي والأبعاد الدولية

د. صوفيا عباس: كل الشكر للمجلس الوطني على تنظيم هذه الندوات الفكرية المهمة

د. نادر القنة: الحرب أنتجت أدواتها القتالية وأنتجت كذلك ثقافتها ومسرحها

د. سيد علي: بعد الحرب العالمية ظل المسرح مرتبطًا بآثارها بغية الوعظ والإرشاد

د. صلاح جرار: تأثير الحرب في المسرح امتد إلى ما بعد الحرب الأهلية في إسبانيا أواخر الثلاثينيات

د. عبدالحليم بوشراكي: المسرح عكس بشكل كبير التجربة التاريخية المغاربية في مواجهة المستعمر

عقباوي الشيخ: عظمة المسرح الجزائري تجلت في صدقه وإيمانه بقضيته ضد أعتى قوة استعمارية في التاريخ

د. علي العنزي: المسرح الكويتي فقد فاعليته وعاش حالة طلاق مع الواقع وانتهت الحرب من دون تقديم فكرة

د. جبار خماط: السياسي العراقي أغفل دوره التنويري بعد حرب 2003

العسعوسي: للمسرح دور فاعل في تنمية الوعي بكل قضايا الحياة بما فيها الحرب

 

كتب: عادل بدوي

افتتح الأمين العام المساعد لقطاع الفنون بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب محمد صالح العسعوسي أعمال الندوة الفكرية، ضمن فعاليات مهرجان الكويت المسرحي الخامس عشر، والتي جاءت تحت عنوان «المسرح والحرب»، وناقش الباحثون محورين في جلستين: الجلسة الأولى ناقشت محور «المسرح والحرب .. الأبعاد الدولية»، وتمت خلالها مناقشة ثلاثة أبحاث مقدمة من كل من: د. نادر القنة ود. سيد علي ود. صلاح جرار، وتباحثوا حول عنوان «المسرح والحرب في الفكر الإنساني».

وتابعت الندوة أعمالها بجلسة ثانية ناقشت أربعة أبحاث في المحور الثاني «المسرح والحرب .. البعد العربي»، وتحت عنوان «المسرح وحرب التحرير في دول المغرب العربي» قدم الباحثان د. عبدالحليم بوشراكي وعقباوي الشيخ من الجزائر ورقتين بحثيتين، وعن المسرح وحرب تحرير الكويت بحث د. علي العنزي، وعن المسرح العراقي والحرب بحث د. جبار خماط.

وكان الأمين العام المساعد لقطاع الفنون محمد العسعوسي ألقى كلمة افتتاحية في بداية أعمال الندوة، أكد فيها أهمية دور المسرح في تنمية الوعي بكل قضايا الحياة بما فيه الحروب وأسبابها وما تفرزه من آثار مدمرة.

وقال: إن هذه الندوة تعقد في وقت «يحيط بمنطقتنا الخليجية بصفة خاصة والعربية بصفة عامة أجواء يشوبها التوتر والقلق من كثرة العنف والمناوشات والأفكار المتطرفة، حتى أنه لاحت في الأجواء أشباح الحرب»، معربا عن الأمل في أن تخلص الندوة التي يحضرها خبراء وأساتذة مسرحيون إلى أفكار جديدة تساعد على فتح مزيد من الآفاق أمام هذه الظواهر، بما يتناسب مع المرحلة التاريخية الراهنة التي تعيشها الأمة العربية.


الجلسة الأولى

أعربت رئيسة قسم المسرح بجامعة الاسكندرية د. صوفيا عباس التي ترأست الجلسة الأولى للندوة، عن تقديرها للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب على إقامة مثل هذه الندوات الفكرية المهمة، لما لها من دور في إثراء الحركة المسرحية العربية، وقدمت الباحثين وكانت البداية مع د. نادر القنة الذي قال في مقدمة بحثه: منذ فجر التاريخ دخلت الحرب الفكر الإنساني وفرضت نفسها على الأدب والفنون والثقافة، بأشكال وصيغ مختلفة. بوصفها إشكالية إنسانية كبرى، محملة بالأسئلة المصيرية الكبرى المتعلقة براهنية الإنسان والإنسانية ومستقبلها.

وكانت الدراما، على اختلاف ألوانها وتصنيفاتها، أكثر الفنون القولية والتعبيرية استيعابا ومعالجة ومناقشة للحرب وقضاياها وإفرازاتها، حيث جعل المسرح من صور الحرب موضوعا مركزيا تناوله من زوايا عدة، ربما كان أبرزه ما يتعلق بالجوانب التالية:

- قرار الحرب وأزمة الديموقراطية.

- التشابك في السلطة ما بين السياسي والعسكري.

- تنامي الشخصية الإسبرطية في منظومة السلطة، ما يشير إلى تراجع العقلية المدنية، التواقة إلى المعرفة، وبداية ظهور الشخصية الديكتاتورية.

- القهر الإنساني، وما يترتب على ذلك من كوارث إنسانية تتسم بالبشاعة.

- غياب الضمير الإنساني.

- إلغاء التواصل.

- قطع الحوار.

- تبني مشروع القوة.

- تدمير الاقتصاد.

وبعد بحث مطول من 40 صفحة يخلص الدكتور القنة إلى عدة توصيات، فيما يتعلق بالمهرجان، حيث اقترح أن تعقد الدورة القادمة ندوتها تحت عنوان «المسرح وحقوق الإنسان»، وناشد القائمين على إدارة مهرجان المسرح توثيق أبحاث الندوة في كتاب مطبوع يكون مرجعا للباحثين والدارسين، وفي ورقته البحثية خلص القنة إلى ما أسماه «الإفرازات والظواهر حول مسرح الحرب». ويقول: كما أنتجت الحرب أدواتها القتالية، أنتجت في المقابل أيضا ثقافتها، ومجتمعها، ومسرحها الذي تمثل في عدد من الظواهر والاتجاهات الفنية والفكرية والجمالية، وما صاحبها من ظهور عدد من الكتاب المسرحيين الذين عبروا عن المرحلة تعبيرا فنيا دقيقا... ونرصد هنا بعجالة أهم هذه الظواهر والاتجاهات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن كل جانب منها يحتاج إلى دراسة تفصيلية أكثر عمقا لتبيان أثرها، وحدودها، وإنتاجها، وماهيتها، وتركيبتها:

1 – بلورة المذهب والاتجاه التعبيري.

2 – ظهور المسرح التعليمي، وهو غير البيداجوجي داخل أُطر المؤسسات التربوية.

3 – ظهور المسرح الملحمي.

4 – ظهور المسرح الوثائقي/ التسجيلي.

5 – ظهور المسرح العسكري بوظائفيته المتعددة.

6 – ظهور مسرح الكباريه السياسي.

7 – ظهور المسرح الثوري اليساري.

8 – ظهور المسرح البرجوازي الاستهلاكي نقيضا للملحمية.

9 – ظهور مسرح الواقعية الجديدة.

10 – ظهور مسرح العبث بعد الحرب العالمية الثانية.

11 – ظهور مسرح حركة التمرد والغضب.

12 – ظهور اتجاه مسرحيات أدب السجون .. المسرحيون الذين وقعوا في الأسر والاعتقال.

13 – ظهور مهرجان مسرح الحرب في المملكة المتحدة في العام 2004م.

14 – ظهور مسرح العصابات .. نشأ عام 1965 على يد سان فرانسيسكو حايم تروب، بإلهام من كتابات تشي جيفارا، حيث يقدم عروضا تلتزم بالتغير الاجتماعي السياسي الثوري، الهدف من ظهورها مناهضة حرب ڤيتنام والرأسمالية وهو مسرح الاحتجاج السياسي.

15 – ظهور مسرح الجبهة.

 

المسرح المصري نموذجًا

وتحت عنوان «بدايات المسرح في مصر نموذجا» قدم الدكتور سيد علي ورقة بحثية تناول فيها عدة محاور بدأها بإنسانية المسرح لجرحى الحرب، ويقول في مقدمة بحثه: إن أول حرب اهتم بها المسرح في مصر كانت الحرب بين فرنسا وبورسيا (الولايات الألمانية) التي نشبت في يوليو عام 1870، عندما افتتحت الأوبرا الخديوية موسمها الثاني بعرض مسرحية «المحظية».

وتابع: في عام 1886 بدأ المسرح العربي في مصر التعامل مع توظيف الحرب في النصوص المسرحية وعروضها من خلال جورج ميرزا (وهو محرر بجريدة «الاتحاد» بالإسكندرية)، عندما ألف مسرحية «زنوبيا» التي عرضتها فرقة سليمان القرداحي بالأوبرا الخديوية يوم 30 مارس 1886.

وتحت عنوان «العرض الممنوع إنسانيا» يقول د. سيد علي في عام 1897 نشبت الحرب بين اليونانيين والدولة العثمانية بقيادة الفريق أدهم باشا ابن فرهاد الشركسي القائد العام للقوات العثمانية، الذي نجح في هزيمة اليونانيين والاستيلاء على عدة مدن، مما اضطر الدولة اليونانية إلى طلب الصلح، ودفع غرامة كبيرة للدولة العثمانية. وبعد عام من انتهاء هذه الحرب أرادت "جمعية السراج المنير" في الإسكندرية تمثيل مسرحية بعنوان «أدهم باشا»، ومن المعروف أن الجالية اليونانية في الإسكندرية – في تلك الفترة – كانت أكبر جالية أجنبية في الإسكندرية، وتمثيل هذه الأحداث في عرض مسرحي من الأمور غير المستحبة، خشية حدوث ما لا تُحمد عقباه! مما يعني أن المسرح لم يكن موفقا في عرض أحداث هذه الحرب.

 

الحرب العالمية والمسرح

ويختتم د. علي ورقته البحثية بالقول: هناك بعض العروض المسرحية التي تناولت موضوعات حربية – أثناء نشوب الحرب العالمية الأولى – تحمل أفكارا إنسانية، مثل مسرحية «القضية المشهورة»، التي عرضتها فرقة جورج أبيض في فبراير 1915 بقاعة سينما إيديال بشارع عماد الدين، والتي تدور أحداثها حول محاكمة ضابط عظيم بالأشغال الشاقة المؤبدة، بعد أن شارك في حرب عام 1746 بين فرنسا والبلجيك في عهد لويس الخامس عشر. وقد حُكم عليه بالأشغال الشاقة، لأن ابنته شهدت خطأ بأنه قتل أمها (أي زوجته). فأخذت المحكمة بأقوالها خطأ، فذاق الضابط البريء صنوفا من العذاب، حتى ظهرت الحقيقة بعد سنوات طويلة.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، في أواخر عام 1918، ظل المسرح مرتبطا بآثار هذه الحرب ونتائجها، لاسيما توظفيها في الموضوعات ذات الأفكار الإنسانية، بغية الوعظ والإرشاد واتخاذ العبر من هذه الحرب.

آخر المتحدثين في الجلسة الأولى كان د. صلاح جرار الذي بحث في عنوان «الحرب الأهلية الإسبانية والمسرح»، ويخلص في ورقته إلى الإشارة إلى أن تأثير الحرب الأهلية على الكتابة المسرحية في إسبانيا، في زمن الحرب، لم يتوقف على زمن الحرب، بل امتد إلى ما بعد الحرب بكثير. فهذا الروائي الشهير أنطونيو جالا (مواليد 1930) يضع مسرحية عنوانها «نوفمبر وقليل من العشب» تمثل رؤية فظة للعيوب المستمرة للحرب الأهلية الإسبانية، وتعد واحدة من أهم أعمال دراما الحرب الأهلية.

كما فازت رواية ليدي سيلفاير الإسبانية الأصل «لا بكاء» بجائزة الغونكور الفرنسية سنة 2014، وهي من أشهر الجوائز في فرنسا، وهذه الرواية عن الحرب الأهلية الإسبانية. وقد كان والد ليدي سيلفاير وأمها من الذين هربوا من نظام فرانكو.

ولئن كان معظم من اشتهر من الأدباء خلال الحرب الأهلية الإسبانية يدافعون عن الجمهوريين، إلا أن منهم من وقف الى جانب فرانكو، ومن هؤلاء كاميلو خوسيه ثيلا (1916 – 2002)، الحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1989، فقد وقف إلى جانب فرانشيسكو فرانكو في الحرب الأهلية الإسبانية، ولكنه أصبح أحد منتقديه فيما بعد.

 

الجلسة الثانية

في الجلسة الثانية للندوة التي ناقشت الأبعاد الدولية بعنوان «المسرح والحرب» والتي أدارها حسام عبدالهادي تمت مناقشة أربعة أبحاث خلال هذه الجلسة بدأها د. عبدالحليم بوشراكي من الجزائر بورقة بحثية بعنوان «المسرح المغاربي في مواجهة الاستعمار»، وبعد استعراض مطول يخلص بوشراكي إلى أن المسرح المغربي العربي الكبير بين تونس والمغرب والجزائر قد تشابهت التجارب فيه في عمومها، ويقول إن ثقافة شرق المغرب تذوب في ثقافة غرب الجزائر، والأمر سيان... فإن ثقافة الشرق الجزائري لا تكاد تختلف عن ثقافة الغرب التونسي، وللمجتمعات الثلاثة أصول واحدة وظروف تاريخية واجتماعية وسياسية تكاد تتطابق.

ويضيف بوشراكي: وكبقية ضروب الحياة فإن المسرح، باعتباره شكل التعبير الإنساني الصافي، قد عكس وبكل تلقائية التجربة التاريخية للمغرب الكبير في مواجهته للمستعمر، فقد حمل لواء الذود عن قلاع الثقافة بكل ما استطاع استنادا إلى فلسفة أخلاقية وجمالية يمكن إيجازها في النقاط التالية:

- المسرح في المغرب الكبير لم يلق الاهتمام ذاته حينما قدم به المستعمر لكن الشعب المغاربي ارتمى في أحضانه حينما قدمته الفرق العربية.

- المسرح في المغرب الكبير كان لسان حال الناس لهمومهم وتطلعاتهم عبر حقب الزمن المتتالية، يساير التحولات والمتغيرات كيفما كانت.

- لقد تأسس ربيرتوار المسرح المغربي بالعودة إلى كل ما ارتبط بالتراث العربي الإسلامي، مستلهما بطولاته وباعثا لحمية العروبة والإسلام.

- كما كان للغة العربية مكانها المرموق في تاريخ المسرح المغاربي، إذا استطاعت، عبر كتاب المسرح في البلدان الثلاثة، أن تواجه كل معالم محاولات الطمس بكل شراسة، فكانت تلك المسرحيات شاهدا على وجود القيم الإنسانية العربية والإسلامية.

- وربما الأهم هو الرغبة الملحة التي انتابت كل كتاب المسرح ومخرجيه وممثليه في الأهداف التربوية والإصلاحية والوطنية التي كانت تذكي روح العروبة وفكر التحرر في نفس كل مغاربي أبي.

والأهم في هذا كله أن المسرح في المغرب العربي لا يأخذ قيمته بكم الأعمال المقدمة ولا بفضاءات تأثيرها، بل الأهم أننا حينما نشرع في كتابة بحث في تاريخ المغرب العربي نجد الكثير من الأسماء المسرحية التي ستتجاذب وبكل عنف مع قلم أي باحث يصدق في بحثه عن أعلام تاريخ المسرح وتركة ما خلفوه للفكر العربي والإنساني.

 

حرب التحرير .. الجزائر نموذجًا

المتحدث الثاني كان الأستاذ عقباوي الشيخ الذي قدم ورقة بحثية حول «المسرح العربي وحرب التحرير .. الجزائر نموذجا»، واستعرض في ورقته نشأة المسرح الجزائري، وخصوصيته، واتجاهات المسرح الجزائري في مواجهة الاستعمار الفرنسي، وخلص في خاتمة بحثه إلى النقاط التالية: عرفت الجزائر المسرح بعد قرابة قرن من وجود الاحتلال الفرنسي، وبعد تجربة بسيطة لم تتجاوز العقود استطاع هذا المسرح أن يجابه أعتى قوة استعمارية في التاريخ الحديث، واستطاع أن يكون في مستوى تطلعات ثورة تحريرية كبرى، وواكبها ورافقها إلى أن حققت كل أهدافها التي قامت لأجلها، وإذا كان المسرحي الإنجليزي الشهير ويليام شكسبير قد قال: أعطني مسرحا أعطك شعبا عظيما» أقول أنا: «أعطني ثورة أعطك مسرحا عظيما».

وكانت عظمة المسرح الجزائري، برغم بساطته، في صدقه وإيمانه بقضية وجوده وأحقية وجوده، وترجم تطلعات وآمال الشعب الجزائري، وكان وفيا لثورته وهويته وانتمائه ،ولم يكن اعتباطا استقاء مواضيعه من زخمه التاريخي العربي والإسلامي والأفريقي، وأظن أن الجزائر كرمت هذا المسرح واعترفت له بالجميل الذي كان في الحقيقة واجبا، حيث إن أول مؤسسة أممت بعد الاستقلال هي مؤسسة المسرح الوطني الجزائري في 8 يناير 1963، وذلك حتى قبل عصب الاقتصاد النفطي الذي أمم لاحقا، وهذه الرمزية محل فخر واعتزاز لدى كل المسرحيين الجزائريين إلى يومنا هذا.

وقد حاولت فيما بعد أن أقدم ومضات للقارئ الكريم عن أهم المحطات التي مر بها المسرح في الجزائر؛ ليتشكل ويتأسس، ولعل أكبر امتحان واجه الحركة المسرحية الجزائرية هو امتحان التصدي للاحتلال الفرنسي وإفشال جهود طمس الهوية والوطنية، ثم تقدم حقيقة حرب التحرير للجمهور في الجزائر وللعالم، وبرغم صعوبة المهمة وضريبة التحدي فإنه وفق في أداء مهمته على الوجه المشرف، وأكد كذلك على الدور المهم للمسرح في مسار حياة الشعوب، حيث لا يقف فقط عند عناصر الجمال والإبداع والسحر، بل يتعداها إلى استرداد الحقوق وتعزيز الحس الوطني والتحرري.


المسرح وحرب تحرير الكويت

تحت عنوان "المسرح وحرب تحرير الكويت" تحدث د. علي العنزي عضو هيـئة التدريس بقسم النقد والأدب بالمعهد العالي للفنون المسرحية وتناول علاقة المسرح بالحرب من زاوية كويتية.

وقال العنزي: إن مسألة المسرح والحرب، ومسألة ارتباط الأدب بالسياسة، أحاط بها نوع من التمويه النقدي، حيث يتمثل هذا التمويه في حياد الأدب عامة والمسرح خاصة، ونتيجة لهذا الالتباس أعرض الفنان الكويتي عموما عن المسرح السياسي الفكري، الذي ساد المسرح الكويتي منذ نهضته في الستينيات وحتى الثمانينيات، معللا ذلك بميل الأدباء والكتَّاب الكويتيين صوب القضايا الكونية الأزلية، مثل الموت والحياة  وغيرهما من المواضيع، وابتعادهم عن المسرح السياسي الذي يتناول فكرة تغيير الواقع.

ومضى العنزي يقول: عندما جاء الاحتلال الصدامي، واستيقظ الفنان الكويتي على الرعب، وجاءت مأساة الاحتلال العنيفة، واهتزت الأرض والقيم من تحت أقدامنا وقيل الكثير عن صمودنا، وعن مقاومتنا العظيمة، وعن شعبنا العظيم، وتحملنا بشجاعة مواجهة القوة الإمبريالية الصدامية الأولى في الجزيرة العربية، وامتزجت شؤوننا اليومية برائحة البارود والمدفعية والطائرة والموت من دون انحناء، نزفنا ولم يزدنا النزف إلا وعيا بعدالة قضيتنا، وإصرارنا على النضال... أقول – والكلام للعنزي – لم يكن المسرح على الدرجة ذاتها من الوعي البطولي الشعبي الذي تألق خلال فترة مقاومة الاحتلال.

وختم العنزي مؤكدا أنه بسبب كل ما سبق فقد المسرح كل فاعلية، وعاش حالة طلاق مع الواقع، وانتهى مسرحنا الكويتي والحرب من دون تقديم "فكرة"، كما يطالب سارتر الذي ربط الأدب بقول فكرة!

 

المسرح والعراق والحرب

آخر المتحدثين كان د. جبار خماط الذي قدم ورقة بحثية بعنوان «المسرح العراقي وتحديات الحرب والعنف»، واستنتج في نهاية بحثه أن الحرب وتناولها مسرحيا أعطيا تأثيرا عمليا لانعكاسات الحرب ونتائجها وأسباب حدوثها والنقد المباشر أو غير المباشر للسلطة، وأوجز خماط استنتاجاته في النقاط الآتية:

- تصدع منظومة القيم والثروات والسيادة وإحساس المواطن بالعجز.

- تعوده على الجاهز من المفاهيم الأحادية التي لا يدخلها الباطل في زمن صدام قبل 2003 أو زراعة مفاهيم التشويش لدى المواطن ما بعد 2003.

- أفرز واقعا مشوشا يعيش حالة أشبه بصراع القط والفأر ولي ذراع تكاد تكون يومية! والرابح الأكبر هو صانع العنف أو الإرهابي لأنه يرى في أزمات المؤسسات التنفيذية والتشريعية وقودا لعمله اليومي، في حين نجد ان الخاسر الأكبر هو المواطن المسكين الذي يعيش دوامة الواقع الاقتصادي الصعب فضلا عن ضعف الخدمات.

- السياسي بعد 2003 اغفل دوره التنويري في ايجاد بيئة اجتماعية – اقتصادية تساعد على شيوع الروح الايجابية لدى المواطن، فضلا عن زيادة منسوب الانتماء لديه والذي يمثل اساسا موضوعيا لمفهوم المواطنة، بل نجد أن الأرض السياسية الرخوة أوجدت مناسبة طيعة للإرهاب للدخول باستراتيجية شيوع الروح الطائفية بديلا عن الروح الوطنية التي معيارها الانتماء لحدود الوطن الواحد الذي يجمع بناءه بعيدا عن مفاهيم الطائفية والمناطقية والحزبية الضيقة. هناك عروض تناولت دراما الحرب لا تصح أن تنفرد بطريقة او بمعالجة إخراجية واحدة أو منهج إخراجي واحد.

- أخذت المعالجات الإخراجية بمضمونها الدرامي مساحة فكرية وجمالية كبيرة ومؤثرة في عروض الحرب، لتناول المخرجين هذا الموضوع من جوانب عدة خارج النسق الوظيفي التقليدي، على وفق "انتقاء المخرجين للقراءات الجديدة للنص الدرامي حق وإن لم يكرس في كتابته للحرب".

- حققت المعالجات الإخراجية صدقها في تجسيد عروض الحرب، وكان لزاما أن يرافقها أو يوازيها فعل الإبداع الفني والجمالي شكلا ومضمونا من قبل المخرجين العراقيين.

- إن المعالجة الإخراجية لعروض دراما الحرب في هذه المرحلة اتسمت بالبساطة وقلة تكاليف الإنتاج؛ انسجاما مع ظرف الحصار وتأثيره على البنية التحتية للبلد.

- تمكن المخرج المسرحي، من خلال المعالجات الإخراجية لعروض مسرحيات الحرب، من تطوير الفعل الدرامي عن طريق استعارة المواقف والأحداث الواقعية والتاريخية وبنائها دراميا، إلا في بعض الحالات التي كانت دون المستوى المطلوب.

- إن الممثل هو الوسيلة الرئيسية لتحقيق المعالجة الإخراجية في عروض الحرب، وتأتي بقية العناصر الأخرى مكملة لإظهار صورة الحدث المسرحي.

Happy Wheels