النشرة الخامسة


                                                                            إضغط هنا لتحميل النشرة الخامسة

 

نص يحلل الذات الإنسانية
مسرحية
«ثاني أكسيد المنجنيق»..
حياة في المقابر!

السينوغرافيا عملت على تفكيك النص ومنحه أبعاداً إضافية
النص يحمل لغة
عميقة المضامين تعزف على إيقاع الدمار النفسي وسطوة الآخر

 


كتب: عبدالستار ناجي
تقدم شركة ليدرز برو للانتاج الفني تجربة اضافية لرصيدها ورصيد مهرجان الكويت المسرحي من خلال تجربتها بتقديم مسرحية «ثاني اكسيد المنجنيق» حيث الذهاب الى المسرح النوعي عبر نص ثري بالمضامين ومبادرة ايجابية من قبل اللجنة المنظمة لمهرجان الكويت المسرحي الذي يفتح الباب على مصراعيه لمشاركة القطاع الخاص. ولكن بمواصفات تليق بالمكانة والنهج الذي يشتغل عليه المهرجان دورة بعد اخرى وصولا الى دورته السادسة عشرة الحبلى بالعروض المتميزة.
يشتغل الكاتب سامي بلال في هذا النص كما في جملة نصوصه السابقة على موضوع الذات الانسانية والظروف التي تحيط بها وتعصف. وهو هنا يأخذنا الى مجموعة انسانية قررت ان تعيش في احدى المقابر هروبا من الحياة والعامة ورغم ذلك تجد نفسها امام مواجهات طاحنة خصوصا حينما يأتي القرار من «الحكومة الالكترونية» بإعادة استثمار تلك المقبرة.
ست شخصيات خمس منها من سكان المقبرة والسادس الموظف الذي يحمل اليهم الخبر المشئوم. تلك الشخصيات الخمس تعيش ذات الحالة وذات الحوار على مدى سنوات طويلة هربا من الحياة التي انفصلوا عنها. فهذا الاب الذي يظل يردد الصمت وعبر جمل تؤكد أنه عاش عذابات مدمرة اضطرته في المرحلة الاولى للهروب مع طفله وزوجته الى المنطقة النائية بعيدا عن عيون الناس والزمن مشبع بالخوف والذعر حتى وإن اختلف مع ابنه الذي يجد الحل بالرحيل فإن الاب يظل يراهن على الصمت كحل.
وفي المقابل هناك الشاب الذي يعيش على امجاد والده وجده والحديث عن بطولاتهما، وايضا حكاية الفتاة التي تجد نفسها بين مطرقة الصمت وسندان الادعاء والبطولات والتاريخ والزمن الماضي وهي تريد الغد والمستقبل. وايضا الزوجة التي امنت بسطوة الرجل وهيمنته وتحولت الى هامش.
كل تلك الشخصيات تقبع في غرفة صغيرة معزولة تجتر ذات الكلمات وذات الجمل وذات الزمن حتى اللحظة التي يأتي بها القرار بضرورة ترك المقبرة. عندها يبدأ صراع آخر من اجل البقاء. حيث يشمر الشاب عن ساعديه بعد اقناع الابن بقتل الشابة وتصفية الاب وتهميش الام في جولة تلتهم الجميع بمن فيهم الشاب. لأننا امام زمن جديد. لم ينفع معه الصمت ولم تنفع معه الكلاب التي تعوي والتي تحولت الى النهش وهاهي اليوم تلتهم كل شيء بما فيها المقبرة وسكانها من الاحياء الذين صدر بحقهم القرار بالرحيل الى اللامكان واللازمان واللاحقيقية.

                                                                   

الستارة الحمراء
نص ذكي وثري مكتوب بعناية عمل المخرج احمد الحليل على تفعيل وطرح مجموعة من الحلول التي ظلت في احيان كثيرة بحاجة الى المزيد لتعميق المضامين. وتحليل الدلالات للشخصيات واسلوب تحريكها.
في العرض سينوغرافيا عملت على تفكيك النص ومنحه ابعادا اضافية وبالذات حركة الغرف الصغيرة داخل المقبرة ودلالات الستارة الحمراء وايضا ذلك الموظف الذي كان يحرك الخيوط ويحرك احتياجاتها فإذا به جزء اساسي من الحدث والكارثة التي لحقت بتلك المجموعة سابقا ولاحقا.
منذ اللحظة الاولى نحن امام تلك الشخصيات التي تبدأ بالكشف عن هويتها وايضا همومها وألمها وتعبها النفسي. وبحثها عن الخلاص تارة بالمطالبة بالصمت وتارة اخرى بشيء من المنجزات تقديرا لتاريخ والده وجده وايضا رغبة الفتاة في مواجهة الواقع والابن في الرحيل من هذا المستنقع الذي راح يخنق انفاسه وحاضره ومستقبله.
تلك الشخصيات ظلت بحاجة الى المزيد من التفجير وتجاوز مرحلة الحفظ الى التفاعل والانصهار مع الشخصية كما عند الثنائي عبدالمحسن القفاص وعبدالعزيز الصايغ اللذين ظلا طيلة احداث المسرحية يحققان مفردات الاضافة في الاداء حتى رغم ان شخصية القفاص كانت محصورة في معادلة الخوف والذعر من زمن ولى واثاره لا تزال تعيش في مخيلته وحولته الى مسخ وهامش.
ان الهروب الى المقبرة للعيش على هامش الحياة وبعيدا عن فعلها وايقاعها قريبا من الموت، بل هو الاسترخاء على نصل الموت الموجع هربا من حياة دمرتهم وحولتهم الى ذلك الهامش البعيد بعد ان نهشتهم كلاب الحياة.
نفوس حائرة تبحث عن الكينونة حتى لو كان ذلك على حساب الآخرين وهنا تبدأ المطحنة التي تجعلنا نسمع قرقعة عظام الآخرين الواحد تلو الآخر امام همجية الآخر وسطوته ورغبته بان يكون الاوحد والاحسن والاهم.
في النص لغة عالية الجودة عميقة المضامين والدلالات تعزف على ايقاع الدمار النفسي وسطوة الآخر وقسوته وجبروته وهو يعلم جيدا أنه يعيش على تاريخ مزيف وانجازات واهمة وعضلات واهنة وما هو إلا مجرد دمية تحركه تلك الخيوط التي تدفع إليه بما يريد وقت ما يريد الآخر وليس وقت ما يريد هو.
في العرض ثمة ملاحظات على الموسيقى التي جاءت كأنها لعمل آخر بينما احتفى العرض بالديكور الذكي للفنان حسين بهبهاني الذي يقدم تجربة اضافية وقراءة معمقة للنص والعرض بشكل عام. بل ان اللغة التفكيكية والتحليلية للنص تبلغ اوجها في تلك الشرانق التي تعطي دلالات الغرق الضيقة التي تعيش بها تلك المخلوقات الهاربة من قدرها. دون ان تمتلك المقدرة على تغيير ذلك القدر الارعن.
وحينما تأتي المواجهة تأتي ايضا الحقيقية. حيث يكتشف الشاب أن والده انتحر ولم يقم بالمهمة البطولية لإنقاذ الناس. وهكذا يعرف الابن من والده نوعية التضحيات التي قام بها من اجل انقاذه ورغم ذلك ينتهي الامر الى المجزرة. حيث يصفي كل منهم الآخر. وتكون المرأة هي المنطقة الاضعف بل ان الام وبعد التجارب التي احاطت بها راحت تكرر انه منطق الرجل وحكم الرجل.

المسرح النوعي
الاب رغم انهزاميته وضعفه وانكساره الا انه يظل مصدرا لكثير من المقولات التي تتمحور حول الصمت وايضا المعنى ونقتطف «حينما كان للكلمة معنى.. كان الانسان» وغيرها من الحوارات التي قدمها الفنان القفاص بلياقة وتفاعل عال ومن قبلها فهم متميز للشخصية واحتياجاتها.
كل تلك البصمات كان وراءها فريق امن بأهمية ان يكون للمسرح الخاص دوره وحضوره وبصمته. حتى وان ذهب الى المسرح النوعي ونحن هنا مع فريق من مخرجات المعاهد الفنية التي ذهبت الى التجربة وهي تعرف كلفتها المادية دون ان تنشغل بالمسرح الجماهيري وحسابات الشباك الى مسرح يؤمن بدور المسرح ويشتغل على المسرح الفاعل والباحث والمحلل والمؤمن بالانسان.
ويبقى ان نقول.. مرحبا بالمسرح الخاص اذا كان هذا النهج وهذا العطاء.. حتى رغم الهوامش هنا او هناك.. وهي دعوة لمزيد من العطاء في هذا النهج.


فريق العمل
تقديم:
شركة ليدرز برو للانتاج الفني
تأليف: سامي بلال.
اخراج: احمد سليمان الحليل.
تمثيل: سعاد الحسيني – هنادي قربان – عبدالمحسن القفاص – عبدالعزيز الصايغ – صالح العماني – عبدالله الحسن.
مكياج: عبدالعزيز الجريب.
مصمم الاضاءة: عبدالله النصار.
تنفيذ اضاءة: عبدالحميد الرفاعي.
مصمم الديكور: حسين بهبهاني.
تنفيذ الديكور: مختار نقي – عبدالله التميمي.
مدير الانتاج: جابر الرياحي.
مساعد المخرج: احمد الحداد.
مساعد المخرج: محمد سالمين.


في ندوة تطبيقية
أعقبت العرض
ثاني أكسيد المنجنيق..                                                                           
بدأ قبل وقته!
د.  الدويش: المجتمع الكويتي يتمتع بالحرية ولكل صاحب رأي تحمل مسؤولية ما يقوله

فهد الحارثي: النص كان ككرة صوف لفت على عَجَل وتركت فراغات كثيرة
سامي بلال: إن شاء الله
القادم أفضل
أحمد الحليل: أعرف أن هناك أخطاء.. وسأعمل على تلافيها في المرات القادمة

كتبت: سماح جمال
بدأت الندوة التطبيقية لمسرحية «ثاني اكسيد المنجنيق» بكلمة د. بدر الدويش – الأمين العام المساعد لقطاع الفنون – الذي تطرق لما دار في الندوة التطبيقية لمسرحية «العرس» المشاركة في - مهرجان الكويت المسرحي بدورته السادسة عشرة، فقال: المجتمع الكويتي يتمتع بالحرية ولكل صاحب رأي حرية التعبير عنه وتحمل مسؤولية ما يقوله، فالعرض تناول ظاهرة الطبقية والعنصرية التي كانت متفشية في المجتمع في فترة ماضية، الا ان المجتمع ثار عليها بعد ذلك ونبذها، واوجد وثيقة الدستور التي باتت تحدد المسؤوليات والواجبات.
وتابع قائلا: ولم يكن تعقيب البعض انها تحاكي التأزيم وما يحدث في ثورات الربيع العربي صحيحا، وخاصة ان تلك الثورات لم يأت من ورائها الا الخراب والدمار على مجتمعاتنا العربية، واتمنى للمجتمع العربي ان يزدهر ويتطور وهذا شعوري كمواطن عربي.
واردف قائلا: وخروج البعض برأي مسموح ولكن ان يكون التطرق المباشر لحالة البحرين، فنحن لدينا الثقة الكاملة بجلالة الملك حمد بن عيسى ملك البحرين، وحكمته المعهودة في تحقيق الأمن والأمان المجتمعي والمحافظة على اللحمة، واؤكد ان الشعب البحريني شقيق، والحكومة قائمة على الاستقرار والامن، ولو شعر البعض بضرر من جراء رأي ما فهناك مؤسسات، واقصد هنا القضاء، قادرة على تجريم هذا القول او الفعل.

كرة صوف
بعدها تحدث المعقب الرئيسي للعرض فهد الحارثي – مؤلف سعودي – فقال: الفرق الخاصة جزء لا يتجزأ من الفرق الأهلية، وهذا ما شاهدناه في المشهد الثقافي والفكري من خلال عملهم.
وتابع قائلا: فهل كان النص ككرة صوف لفت على عجل وترك فراغات كثيرة للمخرج ام ان المخرج اراد اتباع سياسة الحر تكفيه الاشارة، واشفقت قليلا على المخرج وكيف فكك هذا النص، والحركة ليست كثيرة واتصور أن هناك مأزقا وهو بداية العرض وبدأ قبل وقته فانهلك العرض قبل ان يبدأ، والاضاءة كانت كخيوط تسربت لتتنفس ولا اعتقد انها فعلت وكانت لها دلالة لم توصلها،  وكانت الأشياء التي نزلت على المسرح من اعلى جميلة ولكنها لو عمل عليها المخرج أكثر لكان ذلك أفضل، اما اداء الممثلين فكان سطحيا ولم يدخل في عمق الشخصية، وحتى المشاكل كانت في النهاية واضحة، وحتى التشكيل كان جميلا ولكنه انتهى فجأة.
وختم الحارثي قائلا:  الأشياء الجميلة تحتاج الى وقت اكثر، وبالتأكيد القادم أجمل.
وجاءت بداية المداخلات مع الدكتور محمود سعيد، فقال: استغرب التآلف التام بين المخرج والمؤلف، ورغم أنه يكون جيدا ومطلوبا في بعض الأحيان ولكن هنا وجدنا اصرارا على السوداوية، فهل من المعقول ان الحياة لا يوجد فيها شيء يستحق ان نعيشه، وارى ان المخرج ترجم النص حرفيا دون تجديد، وحتى طرح قضية قهر المرأة قدمت على عجالة وكانت تحتاج الى عمق اكثر في الطرح، والمونودراما كان العرض غارقا فيها وكان من الأفضل لو قدم بعضا من الكوميديا السوداء، فالعرض كان فيه اجتهاد ولم يكن فيه ابداع.

السينوغرافيا هي البطل
ومن ناحيته، قال الدكتور حسام عبدالهادي: الممثلون تاهوا في العرض والمخرج تاه في النص والنص تاه على الخشبة، فاليوم رأينا عملا مفككا وحركة عشوائية وكان الممثلون حافظين وليسوا فاهمين، فالعمل تاه بين التعبيرية والعبثية وهو ينتمي الى السوداوية، واعتبر ان السينوغرافيا هي البطل الحقيقي للعرض، وكنت اتوقع بعد البداية القوية للمهرجان بعرض قوي ان تتوالى العروض على نفس المستوى او اقوى، ولكن للأسف هناك انخفاض في المستوى.
ومن جانبه قال الدكتور مهنا الرشيد: رأيت اننا امام مسرحية فكرية بامتياز، وتصارع فيها التاريخ والصمت، ولم تخل من الدلالة الرائعة كالكذب في التاريخ ومطامع الأحياء في الاموات وملاحقتهم لهم في قبورهم، والمسرحية عميقة وكانت بحاجة الى أداء اقوى ليتفاعل الجمهور معها.
اما الفنان عدنان الصالح، فقال ان الحق يوضع على النعامة، وما يحدث من احداث تاريخية نأخذها كما هي كمسلمات دون ان نبحث وراءها،  وكم من اشياء حدثت واعتبرت بطولات وهي لم تكن كذلك.
وتحدث المخرج والصحفي محمد عبدالرسول، فقال: العرض فلسفي جميل، وما اشاب الفلسفة أن المخرج لم يدخل برؤية فلسفية او يلعب على اداء الممثلين، فجاء اداؤهم على وتيرة واحدة.
واعتبر الدكتور مبارك المزعل ان النص سياسي ويتحدث عن واقعنا الذي نعيشه اليوم، والممثلون والعاملون في العرض سواء اصابوا او أخطأوا فلهم الشكر، ومن المهم مشاركة الفرق الخاصة وان يفتح الباب للجميع ولا يقتصر على الفرق الأهلية فقط.

فنتازيا مكررة
ورأى الناقد البحريني الدكتور يوسف حمدان حالة الموت والمقابر منتشرة في عدد من العروض والكتب وهي دائما تعتبر حالة من الفنتازيا او هكذا تقدم، كما ان الصمت كان المحور الاساسي للمسرحية وشخصيا اعتبر ان اللعب عليه امر مهم، فقد يكون المخرج يلعب على عنصر الصبر لدى الجمهور ويريد ان يختبره ولماذا لا يكون عندنا صبر.
اما مؤلف العرض سامي بلال فعبر عن سعادته بالحضور في الندوة التطبيقية او العرض المسرحي وتوجه بالشكر لكل المتحدثين، واكد على شدة التقارب بينه وبين المخرج احمد الحليل نتيجة عملهما لسنوات كدفعة واحدة او لكثرة عملهما وتعاونهما في اعمال مختلفة، وختم بلال حديثه بقوله «ان شاء الله القادم افضل».

هدف وطموح
وفي الختام تحدث المخرج احمد الحليل الذي اكد ما قاله زميله المؤلف سامي بلال، واضاف قائلا: لن ارد بشكل عام وبالطبع سألتقي بمن تحدثوا وسنتناقش في وجهات نظرنا، وكل الملاحظات التي قيلت سآخذها بعين الاعتبار، وراض عن التجربة التي قدمناها ونهدف ونطمح الى تطويرها وتقديمها بصورة افضل، واعرف ان هناك اخطاء حدثت ولم يتحدث البعض عنها وسأعمل على تلافيها في المرات القادمة.


تعقد على مدى يومين بمشاركة نخبة متميزة من الباحثين في الشأن المسرحي
اليوم .. انطلاق أعمال الندوة الفكرية
«المسرح وتعزيز الوحدة الوطنية»
كتب: عماد جمعة
تنطلق اليوم أعمال الندوة الفكرية والتي تأتي تحت عنوان «المسرح وتعزيز الوحدة الوطنية» وتستمر جلساتها على مدى يومين ويشارك فيها نخبة من الباحثين والمتخصصين في الشأن المسرحي، منهم الأستاذة زهراء المنصور من مملكة البحرين والدكتور سامي الجمعان من السعودية في اليوم الأول، أما اليوم الثاني فسوف تقدم أبحاث من الدكتور محمد الحبسي من سلطنة عمان والدكتور فيصل القحطاني من الكويت والدكتور حسن رشيد من قطر وسوف نستعرض جوانب من هذه الأبحاث والعناوين الرئيسية في عجالة على أن نتناولها بشيء من التفصيل في الأعداد القادمة من نشرة المهرجان.
المسرح البحريني
وتتحدث الأستاذة زهراء المنصور عن دور المسرح في تعزيز الوحدة الوطنية عبر إعادة تفكيك السؤال في التجربة المسرحية البحرينية فتؤكد ان عنوان الندوة محفز لتدفق اسئلة كثيرة نحو مفهومها للمسرح وطريقة التعاطي معه واستقبال رسائله أو ملاحقته. وتقول وقد رأيت في العنوان ما يستحق أن يعاد تفكيكه حتى يمكن أن نمنطقه حسب رؤيتنا الجديدة لكل ما يستحدث على الساحتين السياسية والمسرحية وما أقربهما وما أبعدهما إحداهما عن الأخرى في الوقت ذاته.
وتتطرق المنصور في بحثها إلى معرفة مصطلح الوحدة الوطنية وتطبيقه ثم المسرح والسياسة والدخول إلى بوابات الدهشة والمسرح مرآة المجتمع والثقافة في معترك التلاحم الوطني وبعد تناول هذه العناوين بشيء من التفصيل تخلص المنصور إلى عدد من التوصيات منها لكي يكون المسرح مؤثرا يجب استثمار الخطاب المسرحي في الحث على توحيد الصف والالتفاف على القضايا الوطنية المشتركة لمصلحة كل الأطراف والتشديد على الاهتمام بزرع حب المسرح للطفل منذ الصغر والاهتمام بالمسرح المدرسي ودعوة المختصين المحايدين إلى تفعيل انشطة وبرامج مسرحية مكثفة تكون نتائجها وتوصياتها قيد التنفيذ الإلزامي على مدد زمنية مدروسة وأخيرا اتاحة الفرصة الكاملة أمام الافكار الابداعية وتحسين الرسالة الاعلامية واستغلال سقف الحرية الممنوح لأقصى حد من دون الدخول في المباشرة والتلقين.

المسرح السعودي
ويقدم الدكتور سامي الجمعان أستاذ الأدب والنقد المسرحي ورقة بحثية بعنوان «تعزيز الوحدة الوطنية بين التقليد والابتكار في تجربة المسرح السعودي» ويشير خلالها إلى أن المسرح السعودي لم يتقاعس عن دوره في تأكيد الشعور الجمعي الذي يربط أبناء الوطن الواحد حتى وإن تباينت أيديولوجياتهم وتوجهاتهم الفكرية فقدم المسرحيون عروضهم من أجل تكريس قيم الوحدة ومفاهيمها، معبرين عنها بصورة الانتماء للأرض وعاداتها وتقاليدها ومقررات إرثها.
وفي بحثه ينتقي الدكتور سامي الجمعان أربعة عروض تم اخضاعها للدراسة بهدف فحص آلياتها في معالجة هذه القضية ذات البعد الوطني المحض فشكلت العروض المدروسة مدونة لهذه المقاربة والعروض هي «الوجيه بن الوجيه – راسك يا وطن – كلنا سلمان – سيام».
وانتهت دراسة هذه العروض إلى محاور ثلاثة بوسعها أن تضع تصورا شموليا للكيفية التي اتبعها المسرح السعودي في معالجة فكرة الوحدة الوطنية وتعزيز قيمها فجاء المحور الأول مختصا بمحفزات وجود هذا النوع من العروض والمحور الثاني محددا السمات العامة التي ميزت هذا النوع من العروض أما المحور الثالث فقد أطر الطرائق التي اقتفاها المسرحيون السعوديون في معالجاتهم تلك. ويتناول الدكتور الجمعان هذه المحاور بالتحليل الذي يؤدي في النهاية إلى أن المسرح السعودي حاول وسعى واجتهد لتعزيز الوطنية وتأكيد وحدتها بيد أن العطاء أقل من الطموح والتأثير أقل من الممكن والصورة لاتزال غير مكتملة في الدور المنتظر من المسرحي بوصفه مشعل تنوير.

المسرح في قطر
كما يتحدث الباحث والنافد القطري الدكتور حسن رشيد في ورقته البحثية التي تأتي تحت عنوان «المسرح والوحدة الوطنية» ويستعرض فيها نماذج لعدد من الأعمال والكتاب ليؤكد أنه بمقدور المسرح سواء في الإطار الكوميدي أو التراجيدي أداء دور مؤثر عبر كشف قوى الظلام والدعوة الى خلق عوالم أكثر تسامحا بعيدا عن الدعوات المرتبطة بالمصالح الفردية أو الجماعية ولكن هذا الامر في حاجة الى الأمن والحرية والاستقرار وتقبل الآخر خاصة ان هناك من يزكي التفرقة بين صفوفنا ويضع مصالحه فوق مصالح الأمة. نعم نحن نواجه وفي كل الأقطار الأخطار التي تحدق بنا ونحن لسنا بعيدين عن الصراعات الدولية والمصالح الاجنبية والصراعات الاقليمية ونشر الافكار والمعتقدات وهناك من لا يؤمن برأي الآخر والاختلاف في الرأي قد يؤدي إلى نتائج وخيمة.
ويقول الدكتور رشيد ان المسرح الخليجي والعربي لم يستسلم للواقع وإن كان المسرح قد أصيب بالترهل ولكن المؤمنين بدور وأهمية المسرح يحاولون العمل من أجل مسرح عربي يؤدي دوره على أكمل صورة في مواجهة كل ما يتعرض له.
ثم يقول: إن خلق خلخلة بين أبناء الوطن الواحد قد فشلت لأن أبناء هذه المنطقة يرفضون كل ما هو بعيد عن أمن وسلامة دول المنطقة من هنا على المسرح أن يلعب دوره التنويري في هذه المرحلة وأن يؤدي رسالته عبر كل الأطر. المسرح المدرسي والجامعي وفرق الهواة وأن يدعم الجميع المسرح عبر كل المؤسسات الحكومية والخاصة لأن الغزو الخارجي والمحمل بالأفكار البعيدة يحاول زعزعة الوحدة الوطنية.
المسرح العماني
وحول دور المسرح في تعزيز الوحدة الوطنية يقدم الدكتور محمد بن سيف الحبسي المسرح العماني «أنموذجا»، فيحلل بداية مصطلح الوحدة الوطنية ثم يتطرق إلى المسرح العماني ودوره في تعزيز الوحدة الوطنية متناولا البداية والتأسيس مستشهدا بعدد من الأعمال المسرحية والأوبريتات ويخلص إلى أن الفنون ومنها المسرح لابد أن تكون حريصة على الاستمرار في تعزيز مفهوم الوحدة الوطنية وليس فقط الاقتصار على المناسبات والأعياد وأن حب الوطن والتشجيع على الوحدة والاتحاد قوة لا يجب أن تكون مجرد شعارات نرددها ولكن قناعات ندرك مضامينها ومعانيها والمسرحي أيا كانت وظيفته كاتبا أو مخرجا أو ممثلا يجب ان يدرك هذه الحقيقة وأن يهتم أكثر بإظهار الحس الوطني مضمونا قبل أن يكون شكلا. وحول متابعته للمشهد المسرحي العماني ومن خلال المهرجانات يقدم عددا من الملاحظات منها أن بعض الفرق تحاول تقديم أعمال مسرحية تدور مواضيعها أو جزء منها في هذا الاطار وبعدة أساليب وخاصة الرمزية منها مع اللجوء أحيانا إلى المسرحيات العربية والعالمية هذا الى جانب ما تقوم به مختلف المؤسسات في السلطنة من احتفالات بالمناسبات الوطنية سواء على شكل أوبريتات أو مسرحيات وبما تتضمنه من قصائد وأشعار وكلمات وفلكلور شعبي يساهم في تعزيز هذا المفهوم الوطني.
وأخيرا يقول انه واجب علينا كمسرحيين ان نكون مساهمين مع بقية الفنون وبصورة أكثر فاعلية وتميز خاصة ان أبا الفنون هو من أقدم وسائل التعبير التي عرفتها البشرية فيجب ألا يقتصر دور المسرح في تعزيز الوحدة الوطنية على أيام المهرجانات والمناسبات فقط بل لابد أن تكون الاستمرارية حاضرة في فكر وذهن كل من يحب وطنه.

الخطاب المسرحي الكويتي
ومن الأوراق البحثية أيضا المشاركة في هذه الندوة ورقة الدكتور فيصل القحطاني أستاذ الدراما ورئيس قسم التلفزيون بالمعهد العالي للفنون المسرحية حيث يتطرق بحثه إلى «الوحدة الوطنية في الخطاب المسرحي الكويتي» ويقول الدكتور القحطاني في ورقته ان بحثه يسعى لتسليط الضوء على ابرز الاعمال المسرحية التي ظهرت في أوقات حرجة ومفصلية خاصة ان الاحداث التي صاحبتها رفعت وتيرة الحس باللحمة الوطنية، وتحت عناوين عريضة يتحدث القحطاني محللا ورقته البحثية مثل الخطاب المسرحي – وتصدير المسرح وتقنيات الكتابة والشكل الفني في المسرحيات مستشهدا بعدد من العروض المسرحية مختتما ورقته البحثية بأننا نحتاج في جميع أوقاتنا لمثل هذه المسرحيات التي تعزز من وحدتنا الوطنية والاهم ألا تكون مرتبطة بحدث بعينه فتخرج إلينا بصورة رد فعل ليس إلا بل نحتاج لمسرح يستطيع ان يدرس الماضي ويعيش الحاضر ويستشرف المستقبل وهذا لن يتحقق إلا بتضافر الجهود الفنية والرسمية وكما هو راسخ في المجتمع الفني الكويتي فإن الفنان والكاتب الكويتي لا يتوانيان عن تقديم تلك النوعية من الاعمال المسرحية التي من شأنها أن تعزز من مفهوم الوحدة الوطنية في المجتمع. تلك الأعمال التي تكتب خصيصا للوطن وليست الأعمال التي تقحم القضية الوطنية بغرض رفع شأن العمل. ويخلص القحطاني الى التوصية بتخصيص دورة خاصة من دورات المهرجان ليكون عنوانها «تعزيز الوحدة الوطنية» حيث سيكون لها الأثر الأكبر على الفنان والمجتمع.



وصف مهرجان المسرح بـ «الأكاديمية» واعتبره بداية انطلاقته الفنية أحمد العوضي: أحارب من أجل
تقديم مسرح راقٍ للجمهور

الجيل المسرحي الجديد واعٍ جدا.. والمسرح الحديث بدأ يجاري مستوى المهرجانات النوعية
الجمهور لايزال يحب المسرح ويقبل عليه
ومن يقول عكس ذلك فهو خاطئ
تخوفت من المشاركة
في مهرجان هذا العام
لعدم وجود عمل يليق به

كتبت: فرح الشمالي
اعتبر الكاتب والممثل المسرحي الشاب أحمد العوضي ان مهرجان الكويت المسرحي مدرسة أكاديمية تعلم من خلالها الكثير والكثير عن فن المسرح. وقال :أنا أعشق هذا المهرجان لأن بدايتي وانطلاقتي كانت من خلاله، وشاركت فيه على مدار ثلاث سنوات متتالية كمؤلف وممثل مع أستاذي خالد امين، وبفضل الله نلنا الكثير من الجوائز ومن خلاله حققت نجاحا وشهرة بين الجمهور والأساتـذة المسرحييـن لتكون انطلاقتي إلى مهرجان الهيئـة العربية للمسرح وإلى مهرجان الخليج المسرحي.
وتحدث العوضي لـ «نشرة المهرجان» عن أعماله التي شارك بها في المهرجان سابقا. وقال: أول عمل قدمته في المهرجان كان «على الطريق» والذي حصل على ثلاث جوائز: أفضل عرض متكامل، أفضل ممثلة، وأنا رشحت لجائزة أفضل ممثل واعد، والعمل الثاني هو «من منهم هو» وأعتبره نقلة كبيرة في حياتي الفنية وهو استحضار لثلاث اساطير هم «ميديا» و«الليدي ماكلن»، و«الزير سالم» وقدمته مع الفنانين علي الحسيني وأحلام حسن وفاطمة الصفي، وحصل هذا العمل على جوائز: افضل ممثلة، أفضل اضاءة وأفضل عرض متكامل ودخل هذا العمل في سبع رسائل دكتوراه ومثلنا به دولة الكويت في مهرجان الهيئة العربية للمسرح ، وأيضا شاركنا به في مهرجان الخليج المسرحي للمحترفين في الإمارات، وأيضا رشح لجوائز عدة منها جائزة أفضل ممثلة للفنانة أحلام حسن.
وأشار العوضي إلى انه لم يشارك بعمل في هذه الدورة لتخوفه من المشاركة بعد السمعة الطيبة التي حققها، وذلك لعدم استعداده التام بعمل يستوجب ان يكون بمستوى ما قدمه من أعمال بالدورات السابقة خاصة ان جمهور هذا المهرجان دقيق وحذر وناقد.
الكتابة المسرحية
وعن خوضه مجال الكتابة المسرحية قال: تجربتي في الكتابة تجربة جميلة جدا، وكانت تحديا كبيرا لقدراتي، وترجمة لعشقي الكبير للمجال المسرحي، ومنحتني الفرصة للكتابة في مجالات لا أستطيع الكتابة فيها على صعيد الرواية أو الدراما التلفزيونية والإذاعية، فالمباح في المسرح أكثر ولكن في حدود الأدب والأخلاق بعيدا عن الرقابة، فأنا وجدت نفسي في كتابة المسرحيات ويوجد الكثير من زملائي الشباب الذين خاضوا الكتابة للمسرح وأبدعوا بالفعل منهم زميلتي في دفعتي بالمعهد فلول الفيلكاوي مؤلفة مسرحية «العرس» وكانت تجربة جدا جميلة نالت استحسان النقاد واعجاب الحضور، وأيضا زميلي علي البلوشي قدم عملا من تأليفه العام الماضي، وغيرنا الكثير نحرص على التواجد كشباب كويتيين بسبب قلة المؤلفين.
جيل واع
وذكر العوضي ان الجيل المسرحي الجديد واع جدا، والمسرح الحديث بدأ يجاري مستوى المهرجانات المسرحية النوعية، وذلك بعد تراجع مستوى وأهمية المسرح في سنوات سابقة، وجيل الشباب دخل بروح جديدة وحماس أكثر في تقديم عروض بعدد يشبع حاجة المهرجانات الكويتية والخليجية العديدة والأهم انها عروض احترافية جيدة تنافس عروض المحترفين.
وقال العوضي ان له أعمالا عدة في المسرح الخاص منها «أمينة» و«الغوله» و«سافانا» مع مسرح «باك ستيج جروب»، وهذه الأعمال قريبة جدا من الأعمال النخبوية التي تقدم في المهرجانات فهي تعتبر مسرحيات اكاديمية جماهيرية، وأضاف: وبالرغم من تخوفنا من رأي الجمهور غير المعتاد على هذا النوع من الاعمال إلا انها نالت استحسانهم بشكل كبير، فقد قررنا أنا والحملي ان نحارب من أجل تقديم مسرح راق للجمهور، وليس فقط للمهتمين بالمسرح لتثقيفهم ورفع ذائقتهم الفنية مع إضافة الكوميديا الهادفة والتي يتقبلها جميع فئات المجتمع مع الأغاني والاستعراض في جو أكاديمي ممتع. وأضاف: الجمهور لايزال يحب المسرح ويقبل عليه ومن يقول عكس ذلك فهو خاطئ ولكن بسبب ما تقدمه الأغلبية من مسرحيات ليست ذات مستوى جيد يناسب الجمهور الواعي سادت الفكرة عن تراجع أهمية المسرح وابتعاد الجمهور عنه.
أعمال جديدة
وأعلن العوضي عن خبر جديد خص به نشرة المهرجان فقال: أشارك بعملين في مهرجان فنون الكويت مع الفنان محمد الحملي وهما «مومياء» و«مسرح الجريمة»، كما اننا الآن نخطط لعمل سنشارك به في الدورة القادمة للمهرجان مع الفنان خالد أمين وابتسام الحمادي نتمنى ان نقدمه بمستوى يليق بالمهرجان.

زوايا المسرح
مسرح محمد الرشود والمعادلة الصعبة
محمد الرشود (1950 - 30 يونيو 2015)، منتج وكاتب مسرحي كويتي. من مواليد منطقة شرق، شقيق المسرحي المخضرم الراحل صقر الرشود، بدأ التأليف المسرحي في بداية الثمانينيات وأنتج وألف عدة مسرحيات في فترة الثمانينيات والتسعينيات، طوال مسيرته الفنية أنتج الرشود وألف عدة مسرحيات كوميدية ساخرة نالت شهرة واسعة وتميزت بطرحها لقضايا ومشاكل تهم المجتمع الكويتي ومن هذه المسرحيات: انتخبوا أم علي، ولولاكي، والكورة مدورة، وبشت المدير، وأرض وقرض، ولعيونك. توفي في 30 يونيو عام 2015 إثر تعرضه لأزمة قلبية.
وعلى حد قول الراحل الدكتور أحمد العشري وهو من أبرز من كتب عن راحلنا حيث يقول: الكاتب الكويتي محمد الرشود والذي تمتد سيرته الإبداعية منذ سبعينيات القرن الماضي، قد تناولته العديد من الأقلام النقدية، من شتى نواحي إبداعه، إلا أن الجانب السياسي لديه يظل دوما في احتياج لمفردات وقراءات جديدة ومتنوعة، فالمؤلف كما يصفه أحمد العشري: «إن محمد الرشود ككاتب ومنتج ومنظم ومروج مسرحي، قد أدرك شيئين مهمين، أولهما طبيعة جمهوره وما يقدم له من ألوان مسرحية وقضايا حياتية ساخنة، وثانيهما الشكل المسرحي الفكاهي الانتقادي كنوع من الكوميديا، درج عليه جمهور المشاهدين في ظل مسافة لا بأس بها من الديمقراطية، أتاحت للكاتب الفرصة أن يقول وبشجاعة ومن منطلق حبه وانتمائه كل ما يؤرق عقل المتلقي كمشارك في العرض وفي البحث عن الحلول لتلك القضايا، من منطلق أن الضحك المتفجر من الكوميديا إنما يدعو للتأمل والتفكير».
الكاتب صاحب المشروع الحضاري/السياسي:
الرشود، صاحب هذا المشروع المسرحي الضخم، نصوص وعروض ولا أقول كاتب المسرحية فحسب، قد تدثرت شخصيته فيما تدثرت به، بإعداد قائم على التحليل والتركيب وإن تظن أن رداءة الذاتي كمواطن كويتي يمثل واحدا من ابعاد دينامية، تتناغم في بوتقة شخصيته وتتضمن مع مقومات أخرى، كانت في صميمها دافعا لعمله المسرحي الإبداعي وهي لا تقف عند مجرد كتابة مسرحية، لكن هو يحاول أن يؤسس لمشروع طموح، ينبثق من فهم بعينه يرى فيه أن الحضارة العربية، مرشحة الآن وأكثر من أي وقت مضى للبزوغ، ولعل دورنا الآن أن يقود فكرنا المسرح بداية المسيرة لتكون خير معلم لها.
وهو في موضع آخر يرى «أن حضارتنا هي المؤهلة – ولو بعد حين – لقيادة الحضارة العالمية»!.
آمال كبار لمن أراد أن يجتلي فجرا في واقع – أحسبه يراه مثلى – يحتاج لزمان كي يقوم من كبوته، وينجلي ظُلاّمه وظلامه!، لكن في الفن مازال الإنسان وقد طغت عليه رغباته يستطيع أن ينتج شيئا مماثلا لإشباع هذه الرغبات، ومن هنا قد نغض الطرف عن هذا الأمل البازغ على حد سيف الرغبة، لننظر في المشروع نفسه والذي أتى به مسرح الرشود – من وجهة نظر مؤلفها – وعاء دراميا لرؤى وأفكار قد نختلف مع شذرات منها، لكنها - وللحق – تستحق الإشادة، ذلك أن بصيرة المبدع لديه وضعت يده على مقولات بعينها، أو قل إنها انبثاق وعي بالذات بقدر ما هي حدس فريد لا أستغرب أن يضع يده عليه دون قراءة مسبقة للتحليل النفسي، ولننظر في تساؤله البديهي والعميق معا «هل تربحون وماذا تفعلون»؟
إن الإنسان لديه مع الأدب، والحضارة ثالوث لطريق التنوير، وإن رأى أن قوام الإنسان محوران (داخلي وخارجي)، وهنا يبزغ تساؤل واجب، هل يقول علم النفس على اختلاف مدارسه غير هذا ؟!».
إن هذا الكاتب المسرحي والذي يتناول شخوصه ما بين داخل وخارج ليتأرجح في متنها بعض من مكوناته الشخصية (بنبالتها ورغباتها) والإبداعية، في محاولة لتحقيق مشروع طموح يحاول أن يقدم النموذج المسرحي الإنساني بحثا عن «المعرفة الحقيقية»، ويا لها من رغبة طموح لكشف «اللامحتجب» (الحقيقة في أصلها اليوناني هي «اللامحتجب» وكان جوهرها الاحتجاب).
والمؤلف المسرحي، صاحب المشروع، يبحث دوما – وهو ما أحسبه من طموحات مكونات شخصيته – عن رؤى كلية، ونقية أيضا، فهو يزاوج الإنسان (في تفسير المؤلف للأدب) ببعدين :
أ - الخير، حيث وجهة الأدب ومطمحه، وإن أردف بتحفظ واجب حتى لا يتحول الأدب إلى طرق الهجير إذا ما أصبح وعظا.
ب - الحياة – الوجود، والذي استنبط – برهافة حسه – أنه جُماع تتداخل فيه كافة أشكال الوجود، حيث يعيش الإنسان «في وحدة واحدة» اسمها الحياة.. «يعيش ككرة دم في الدم».
قد نختلف مع المبدع في مشروعه في هذا الجانب أو ذاك، لكن علينا أن نسلم بأنه عمل بمشروع اراد أن يبسط ظله على واقع مسرحي تصحري، بقدر ما قدم له من وعاء عملي في عمل مسرحي إبداعي، من خلال شخوص استمدت معينها من متخيل (محتوم لديه)، حيث صراع الحكم، ذلك الكرسي المطمح والمطمع، وما بين صراع الخير والشر، صراع الإنسان – الإنسان كي يصاعد الحدث، في الطريق الشاق إلى المرآة، واكتشاف الحقيقة.
ومن المدهش أن فعل المعرفة يقتضي علاقة بين العارف والمعروف، وهو ما يحدث – في ظني – ضمن ما يحدث عبر المشاهد المسرحية، إن كان هناك شرط ضروري للمعرفة الحقة والوعي بها، ألا وهو زوال وظيفة التجهيل من الذات (الأنا)، فالمعرفة لا يمكن إلا أن تكون قصدية إدراك لموضع وفهم له، إذ هي ليست غاية في ذاتها، وإنما هي وسيلة للسيطرة على الأشياء.
إن المسرح هنا واحد من وسائطنا للإمساك بالمكبوت الذي يعوق الشخصية لو استطعنا التسليم بأهمية أن يعرف الإنسان كي يتقدم ويتجدد.
ها هو المؤلف الذي قدم مشروعه المسرحي، مشروع طموح قد نختلف حول بعض مكوناته، لكن أظننا بحاجة إلى أن نقيم حوارا حوله وهو ما أتركه للقارئ – بقدر ما قدم وعاء مسرحيا أراده إحياء لمشروعه، ومهما اختلفنا حول تقييمها فقد اجتهد المؤلف أمره، وشحذ قلمه، وحاول مدركا في ظني – أن الفن هو القمة التي تتعانق عندها الضرورة المطلقة والحرية المطلقة. ليحقق الرشود المعادلة الصعبة حيث النجاح المسرحي ما بين القطاعين العام والخاص الأكاديمي والتجاري، ليحفظ هذا الراحل العظيم لنفسه اسما خالدا عصيا على التجاهل والنسيان.

Happy Wheels