النشرة الخامسة


اضغط هنا لتحميل pdf النشرة الخامسة

 

عرضٌ قدمته فرقةُ المسرح العربي..كتبه سامي بلال وأخرجه أحمد الحليل

 

كوميديا بلا ألوان..
المسرحي المصلوب على كرسيه والانتظار


نص متماسك مشبع بالألم.. متناغم مع الهدف
أداء عالي المستوى لنادر الحساوي.. وأمير يحلِّق بعيدا

 

اللغة اللونية للديكور والأزياء عمَّقت دلالات النص والعرض

 

كتب: عبدالستار ناجي
مسرحية «كوميديا بلا ألوان» دراما عالية المستوى، ونص ثري ذكي عاصف بالألم، وهكذا هو المخرج أحمد الحليل الذي اشتغل عل جملة من التجارب، وكأنه يسبح في متاهات بحر عاصف عبر التزامه بحرفته والخطوط الإخراجية التي راح يشتغل عليها معمِّقا أهداف وأبعاد النص الذي كتبه سامي بلال.
رحلة عن حكاية مسرحي متقاعد، وهو انعكاس لكل المتقاعدين، ينتظر ذلك الهاتف الذي يأتي ولا يأتي. وحتى إذا جاء فإنه يأتي بعد أن تمزقت الشخصية وتحولت إلى هشيم تحت ضغوط الحياة والأسرة التي تكالبت عليه، كما هي الظروف التي تحيط به، كوميديا سوداء هو اللون الأكثر حضورا على رغم أن العنوان «كوميديا بلا ألوان»، حيث مسرح الحالة حاضر بقوة. انتظار قاسٍ عبر حكاية الفكرة وذلك المسرحي المتقاعد حيث يذهب النص إلى ما هو أبعد من حدود شخصية المتقاعد المسرحي إلى شمولية التقاعد وعذاباته. شخصية متحركة ثابتة مصلوبة على ذلك الكرسي الذي يظل يذكرنا بالمنصب الذي شغله وفارقه ولم يفارقه على رغم أنه ذهب إلى التقاعد منذ ثلاثة أشهر، إلا انه لا يزال يترقب ذلك الهاتف والاتصال المرتقب.
ودعونا نذهب إلى الحوار الاستهلالي من قِبل الشخصية الأساسية «فلان»:
لم يرن.. لماذا لا يرن.. لم يرن.. لماذا لم يرن.. لم يرن.. لماذا لم يرن.. لن يرن..
لتمضي رحلة الانتظار. وهو انتظار يعرفه المسرح عالميا وعربيا ومحليا، ولعل الأهم هو «في انتظار غودو».
هنا نعي مبكرا أن رحلة الانتظار لن تكون لمصلحة تلك الشخصية «فلان»، فهو أمام معركة خاسرة تتكشف ملامحها اعتبارا من تلك العلاقة مع زوجته ثم أبنائه الواحد تلو الآخر، وأيضا رفاق عمله، وهكذا صديقه رئيس التحرير، وغيره من الشخصيات التي رصدناها والتي كانت دائما تمتلك تلك اللغة الضدية منذ اللحظة الأولى، حتى ذلك الخادم الذي يرافقه خلال مشواره والذي شكل قيود النهاية التي أحاطت به عبر رحلة الانتظار الطويلة.
نص متماسك ذكي عميق حتى كأنه يبدو دراما حالة إلا أن تلك القراءات التي اشتغل عليها المخرج أحمد الحليل توصل الفكرة والمضامين إلى فضاء يريده ويبتغيه.
الشخصية «المحورية» - فلان - جعله الكاتب سامي بلال يبوح بالكثير معبرا عن نبض حرفته حيث المسرح الذي عاشه ويتنفسه. بينما الشخصية تذهب إلى حالة من الشمولية وهي تذهب إلى تلك المرحلة الزمنية حيث التقاعد وعذابات تلم المرحلة وألمها النفسي والجسدي.
رحلة بانتظار أن يرن الهاتف تصل بشخصية فلان إلى تعرية ذاته والآخرين حتى المحطة الأخيرة وهنا دعونا نقرأ الحوار الأخير:
فبين سكوت وسكوت. أكون
أكون.. إذا هو المكان؟؟ أو ربما الكينونة!
برتقالة أم تفاحة.. أم ليمونة
رن.. أرجوك.. رن
حكمت على نفسي باللاشيء.. بمنتهى الإصرار
طالبت بالتفريق الدقيق بين حصان السباق.. والحمار
عندي أكوام هائلة من.. الانتظار
حياتي أصبحت كالمسرحية التي تخلو من الصراع
أو هكذا يشاع
انتظار أم ضياع
رن أرجوك.. رن
بعد الاختلافات والأسئلة والكثير من التساؤلات
لن نعرف قط هل نحن موتى. أم أموات!!
رن أرجوك.. رن
وتأتي النهاية التي تجعل تلك الشخصية في صراع بين سلك الهاتف والكنبة التي ظل ملتصقا بها لا يفارقها وكأنه صُلب عليها منذ اليوم الأول لالتحاقه بالوظيفة. نص كلما ذهبت إليه منحك تلك الدلالات والتفاسير والأبعاد التي تتجاوز حدود المتقاعد المسرحي إلى المتقاعد بل إلى الإنسان بشكل عام وهو يرى نهايته تتسارع محاولا أن يؤجلها عبر انتظار الهاتف والالتصاق بكرسي فارقه وظيفيا إلى أجيال أخرى، ولكنه لا يريد أن يعيش ذلك الزمن الجديد والحلم والمستقبل بانتظار أن يرن الهاتف من جديد، ليعيد إليه النور الذي انطفأ من زمن بعيد والأمل الذي رحل.. بلا عودة.
وحينما يأتي المخرج أحمد الحليل فإنه يستحضر تلك الخبرة العريضة التي يمتلكها من أجل تطويع نص الكاتب سامي بلال، وهما يشكلان ثنائيا، ولربما كانا الأكثر تعاونا كلاهما مع الآخر. ولكن ليسمح لي المخرج أحمد الحليل حينما أقول إنه ظل حبيس القراءة المباشرة في جملة المشهديات والحوارات وحتى التأويلات التي يذهب إليها النص، وهو أمر لا يعيب التجربة بل يمثل مساحة الالتزام التي يتمتع بها الحليل حتى وهو يضيف بعض الجمل كحلول هنا أو هناك، وإن كان عليه أن يذهب إلى مناطق أبعد في التأويل والتفسير والتحليل ومنح النص أبعاده البصرية العالية.
في العرض سينوغرافيا تشتغل على قراءة النص بشكل أولي ولربما أحادي، وهذا ما جعل تلك الحلول تبدو باهتة لا تثري بقدر ما تقدم فعلا وظيفيا بحتا. حيث ظللت أتساءل: لماذا ذلك الدخان؟ ولماذا تلك الإضاءة؟ ولماذا تلك الطاولة بشكلها المائل؟ وسرير الزوجة وغيرها من الحلول التي تأتي كنتيجة للقراءة الأولى التي تظل تحتاج إلى قراءات أبعد وأعمق وأشمل.
حتى تلك الصورة غير المستوية أو المتناسقة هي نتيجة تلك القراءة الأحادية الجانب والتي كانت في أمس الحاجة إلى حوار مطول مكثف بين عناصر التجربة كي تكتمل وتنضج وتتطور، وتعمل على استنهاض مضامين النص الثرية التي تتجاوز حدود تلك القراءات السطحية للحروف والكلمات والمضامين والصراع الإنساني الذي تعيشه تلك الشخصية، وهو صراع حياتي إنساني شمولي.
في التمثيل لا بد أن نتوقف مطولا أمام تلك الطاقة والخبرة العريضة التي يمتلكها الفنان الكبير نادر الحساوي الذي يأخذنا عبر شخصية «الدكتور فلان» إلى فضاءات بعيدة مشبعة بالحس والألم والتعب الإنساني والقلق مما هو قادم، والحالة الأسرية المادية سواء من قبل الأبناء أو الزوجة أو حتى زملاء الدرب وأيضا الخادم. أداء عميق متنوع حساس من ممثل يمتلك أدواته وحرفته وأيضا تجربته الفنية العريضة. وعلى النهج ذاته يأتي الفنان الشاب أمير عبدالأمير الذي يسيطر على الشخصية ويمنحها النبض والحياة ويطورها عبر لحظات الألم الإنساني الذي يحيط بها وهو يخدم مسرحيا متقاعدا فقد بوصلته ولم يعد يجيد سوى انتظار أن يرن الهاتف أو خصم الأسابيع الأربعة. متقاعد يعمل عنده منذ أكثر من 12 عاما ولايزال لا يعرف اسمه.. فأي ألم هو ذاك.
ولا بد أيضا من الإشارة إلى الحضور المتميز لكل من سارة رشاد وعبدالله الزيد وسليمان المرزوق وبقية عناصر التمثيل..
كوميديا بلا ألوان.. تشتغل على ألم الإنسان حتى تلك المحطة قبل الأخيرة من حياة الإنسان، حيث التقاعد عبر رحلة قاسية مشبعة بالفواجع الإنسانية، لعل أقلها تلك النظرة المادية من قِبل الأبناء، والعقوق من قبل رفاق الدرب والحياة.. نص عميق وثري لكاتب نظل دائما نتوقع منه الكثير والكثير. وعرض قاده المخرج أحمد الحليل إلى بر الأمان بما يمتلك من احترافية كانت في أمس الحاجة إلى المزيد من البحث والتحليل والقراءة المتجددة لمنح العرض بعدا إنسانيا أشمل وأعمق.
مسرحية «كوميديا بلا ألوان» نص ثري ظل ينقصه مزيد من القراءات لتحقيق معادلة العمق والاكتشاف.

 


النص واقعي مبني بشكل إبداعي قائم على التساؤلات 

«كوميديا بلا ألوان» تقدم «فلان» المشرد الباحث عن ذاته مع عبث الانتظار

 

د. إيمان شعبان: المسرحية تطرح قضايا الحرية والعبودية والاستبداد

 

كتب: يوسف الغانم
«كوميديا بلا ألوان» لكنها حافلة بالمعاني، فيها تجسيد لقضية ترتبط بالواقع، بطلها «فلان» الذي حوله مخرج العمل أحمد الحليل إلى شخصية قريبة إلى كل منا في رحلة الانتظار والشعور بالفراغ في صراع مستمر كما أراده مؤلف العمل سامي بلال، وعلى هامش العرض المسرحي «كوميديا بلا ألوان» أقيمت ندوة تطبيقية أدارها إبراهيم عسيري الذي توجه بالشكر في البداية إلى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وإلى إدارة مهرجان الكويت المسرحي في دورته العشرين، وإلى فرقة المسرح العربي على ما قدمه فريقها من جهود وعرض مميز.
بعدها قدمت المعقبة على العرض الدكتورة إيمان علي شعبان عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية والحاصلة على درجة البكالوريوس في النقد المسرحي العام 2003 حاصلة على درجة الماجستير من جامعة الإسكندرية تخصص دراما شكسبيرية والدكتوراه من جامعة الإسكندرية في فلسفة الأدب بموضوع القراءة النقدية لمسرحيات شكسبير.
وشكرت د. إيمان إدارة المهرجان على إتاحة الفرصة لها للمشاركة، وإلى مؤلف المسرحية سامي بلال وللمخرج المبدع أحمد الحليل، لتبدأ تعقيبها بالتطرق إلى العنوان «كوميديا بلا ألوان» ودلالته، حيث يحمل العنوان تناقضا أساسيا داخليا، فالكوميديا هي متعة وبهجة، أما الألوان فهي زينة الحياة لكن عنوان المسرحية طرح اشكالية، فالكوميديا هنا بلا ألوان أي جردت من ألوانها وأصبحت مظلمة كوميديا سوداء مظلمة وإذا عكست العنوان فسنخرج بمعنى آخر وضمنيا وهي تراجيديا بكل ألوانها، واللعبة اللغوية لم تقف عند العنوان فقط، بل تستمر طوال فترة العرض وتتماشى مع الموضوع باحترافية في صياغة اللغة الحافلة بالتناقضات والتضاد والمجاز والتناسي والسخرية، نص مملوء بالمعاني والشفرات والدلالات ليس على المستوى البلاغي أو الشعري بل في المجال العبثي والدلالي، فالمؤلف والمخرج يضعان المتفرج في حالة قلق وتوتر ونحن أمام دراما غير تقليدية، فعلى رغم أنه يناقش قضية إنسانية مهمة وهي قضية عزلة الإنسان في المجتمع أو غربة الإنسان في مجتمعه، فشخصية «فلان» تمثل ذلك الإنسان المهمش الشبيه بالمشرد الذي يعيش حالة من الانغلاق الذاتي المفروض عليه بانتظار المنقذ الذي سيتصل به، وهو في حالة الانتظار يدور في دائرة اللاشيء أو اللامعنى أو اللاجدوى، فشخصية فلان مجردة من الأبعاد المعروفة لتمثل شخصية ذلك المثقف القابع في الظل الذي ينتظر تلك المكالمة التي يصفها هو بأنها مستقبله المزهر والتي ستغير مجرى حياته نحو الأفضل، وهنا تذكير لنا بقيمة الانتظار لـ «غودو».
وهذه المسرحية تطرح قضايا أخرى أيضا كقضية الحرية والعبودية والسلطة والاستبداد، التوازن والاختلاف، الحقيقي والمزيف واستغلال أصحاب النفوذ للمثقفين والبسطاء، وفيها إسقاطات وصراعات متنوعة كصراع الإنسان مع الإنسان وصراع الإنسان مع ذاته وصراع الإنسان مع المجتمع، وهناك صراع بين المرأة والرجل، بين الحق والباطل.
ويمر بنا النص بين العديد من الأبعاد الدرامية كالبعد الرمزي والبعد العبثي والبعد التعبيري والوجودي والبعد الواقعي، بالإضافة إلى استخدام بعض تقنيات المسرح الحديث مثل مسرح الصورة، وكل ذلك اتفق مع سمات المسرح المعاصر.
وبالنسبة إلى السينوغرافيا وعناصرها فقد كانت ناطقة بالصوت والصورة المتحركة والمتكاملة، وعلى رغم تعدد اللوحات في العرض إلا أنها دلت على المواقف والأحداث فجاءت متناغمة ومترابطة مع مضمون العرض والفكرة المطروحة من دون تشويش.
كما أشادت د. إيمان بمصممة الأزياء الدكتورة خلود الرشيدي لإبرازها جماليات الأزياء ودقة اختيار الألوان المناسبة للشخصيات فلم تكن استعمالية وجمالية فقط بل كانت ذات صبغة دلالية.
أما بالنسبة إلى الصوت فقد تنوع المجال الصوتي بين الموسيقى المؤثرة وكذلك المؤثرات الصوتية، واعتمدت المسرحية على الموسيقى المتناغمة مع حركة الممثلين والأداء، كذلك الإضاءة التي جاءت متناسقة ومتنوعة بين الاستعمالية والمجازية والمتناغمة مع الأداء من خلال تسليط الضوء على الممثل الرئيس وتتبع حركته على خشبة المسرح باللون الأزرق الموحي ببرودة الموت.
وتحدثت د. إيمان عن الرؤية الإخراجية التي أضاءت النص حيث جاءت هذه الرؤية متوافقة مع رؤية المؤلف فكان هناك اختيار موفق للممثلين واجتهاد واضح في الأداء وخصوصا «فلان» الممثل نادر الحساوي الذي يملك حضورا مميزا على خشبة المسرح وكان أداؤه معبرا.
وكذلك يتسم العرض ببعض سمات مسرح الصورة الذي جسد فكرة النص بصورة دلالية سيميائية تتولد فيها مجموعة من الإشارات التي أسهمت في خلق معنى تعبيري يصور حالة شعورية، وذلك في حركة دالي نقطة ما بين الحركة والسكون والتي خلقت حلقة من التشظي وأيضا حركة الممثلين حول الكنبة.
وفي المشهد الأخير نرى الخادم وهو يربط سلك الهاتف الحلزوني بحركة دائرية بالكنبة ويرجع إلى الخلف لتؤطر هذه الحركة التراجيدية مع الموسيقى، وهنا أخذ السلك حركةَ الأفعى عندما تريد أن تلتف حول الصحية.
والإيقاع كان سريعا ومنظما على الرغم من تضارب القوة في العرض، لكنها توازنت بانتظام بين الشدة والجذب.
والعرض بلا شك له دلالته ورسالته الإنسانية الواضحة حول الواقع المسرحي على رغم كل ذلك التعري الجريء للمجتمع إلا أنه لا أمل للإصلاح ولا قدرة على مواجهة الواقع، فالغياب الحالي يؤكد فكرة عبثية الانتظار، وكل ذلك التجريد يتماشى مع طبيعة العرض والنص الذي بني على العديد من التساؤلات التي تتيح بدورها العديد من القراءات التي تحمل التأويلات والتفسيرات.
وفي الختام شكرت المعقبة فريق العرض وفريق المسرح العربي على ما قدموه.
بعد ذلك فُتح باب النقاش للمتحدثين، فقالت الفنانة أمل الدباس إنها استمتعت بالعرض الذي كان برأيها لافتا في كل شيء، إذ كان متكاملا بجميع أركانه، فالديكور على خشبة المسرح يجعل المتابع في حالة ترقب دائم لأي تغيير، وإيقاع العمل وأداء الممثلين كان جميلا ومتجانسا، مشيدة بالكاتب سامي بلال والمخرج أحمد الحليل، وموجهة تحية لجميع فريق العمل.
ثم تحدث الأستاذ علي مهدي عن العمل مبديا إعجابه بتكامله في جزأيه الفني والتقني من حيث الاستخدام الموفق والجيد من قبل المخرج للتقنيات والرسومات والتي كان بعضها يوحي بالامتداد، والتي كانت تعطي مستويات مختلفة للنظر، موضحا أن هذا الأمر لفت انتباهه خلال هذه الدورة، وكذلك الحرص على الاستفادة مما هو متاح وهذا أمر مهم جدا.
أما الجانب الفني فقد عبر مهدي عن سعادته بتطور القدرات الأدائية للممثلين وتناغم حركاتهم فكان المشاهد مع الشخوص في انقطاعهم وعودتهم وكأنهم لم يغيبوا وهذا أمر في غاية الروعة.
وأشاد مهدي بالمستوى المتألق للمسرح العربي وعروضه المثمرة.
بعده قدم الكاتب والمخرج المسرحي والناقد عبيدو باشا مداخلة أشاد فيها بمستوى النص والكتابة، معلنا أنه لن يجامل أحدا، حيث فوجئ بهذا المستوى من الكتابة، فالمؤلف يمتلك أدوات الكتابة المتكاملة، وقد فاجأنا بأنه كان يقدم أفكاره على دفعات فكلما توقعنا شيئا كان يحتفل بشيء آخر ومكان مختلف.
وقال باشا إن النص كان مملوءا بالإيحاءات والتعابير، وشكل خليطا من الأساليب التعبيرية والرمزية والتضخيم الأدائي مع قدرة الإخراج بعد تمكن الكاتب من تقديم نص رائع على تجسيد هذا العمل الذي ذكرني بأحد عروض المرحوم فؤاد الشطي بتفاصيله من حيث الديكور والإضاءة، ونستطيع القول إن فؤاد الشطي ترك وراءه ما ترك من شباب مبدعين، ولم نعد نخشى على التجربة المسرحية في الكويت، لأن هؤلاء الشباب باتوا يمتلكون المهنة ومن يمتلك المهنة يستطع التحرك في كل اتجاه.
وأشاد باشا أيضا بدور «الخادم» وحركاته وتعابيره التي كانت ضمن حدود الأطر التي وضعها المخرج.
كذلك كانت للدكتور سيد إسماعيل كلمة عبر فيها عن إعجابه بالعرض وبمضمونه حيث إن الكاتب طرح مشكلة واقعية هي التقاعد وما يرافقها من مشكلات وظروف في مجتمعنا العربي عموما، وصراع مع المرأة وكذلك تعلقه بالكرسي، وهذا ما ظهر سواء داخل البيت أو خلال زيارته لزملائه السابقين في العمل وأيضا جدران البيت والأشياء المائلة والتي تدل على أن هناك شيئا غير صحيح، وتعلق «فلان» بالمكالمة الهاتفية وانتظاره لها، والتي ستكون هي نهايته نتيجة الوهم الذي وضع نفسه فيه.
أما د. شادية زيتون فجاءت مداخلتها لتؤكد قوة النص حيث إن الكاتب سامي بلال عودنا على الجمال، إذ تضمن النص حبكة حفظت بنيته وهذه نقطة أساسية في النص المسرحي، والحوار ساهم بتطوير الأحداث وتنميتها وكذلك التضارب بين الشخصيات وبين الشخص وذاته، فكان النص متناسقا في تركيبته بين الهدف والمضمون.
وبالنسبة إلى الديكور فكانت التقنيات ممتازة وقد احتدم في داخله التأويل والزمن والمساحات التشكيلية أسهمت في تحديد العلاقة الجسدية والروحية للممثل، وكان المصمم فنانا مبتكرا، أما الأزياء فجاءت أيضا متلائمة مع المكان وبما يخدم شخصية ونفسية الممثل على رغم غلبة اللون الرمادي، كذلك كانت الموسيقى التي نقلتنا وأثرت في حواسنا وحواس الممثلين والإضاءة أيضا دلت على الشخصية وعلى الزمن.
بدوره أكد مالك الجلال إعجابه بعرض «كوميديا بلا ألوان» في جميع جوانبه لما يثيره من تساؤلات لدى المشاهد، فقد استطاع المخرج أحمد الحليل تجسيد المسرحية والنص لمؤلفه سامي بلال بشكل رائع مع ما رافق ذلك من أداء مميز لفريق العمل.
من جانبه أكد الكاتب والمخرج الدكتور هشام زين الدين ارتباط الإخراج الذكي بالنص الذكي، وهذا ما تحقق من خلال هذا العمل مشيدا بفكرة الطرح، إذ إن المسرح يعالج هموم الناس وقضاياهم، فقد لامس ما في داخلنا من حاجات إنسانية ولم يأخذنا إلى الماورائيات والفلسفة والأفكار الضبابية، فالمسرح يؤدي رسالة ويعبر عن معاناة البشر، مشيدا في الوقت ذاته بالعرض من جميع جوانبه الفنية.
اما المخرج الدكتور أحمد الشرجي فهنأ كاتب النص سامي بلال ومخرج المسرحية أحمد الحليل وفريق العمل على هذا العرض المتكامل مشيدا بالسينوغرافيين الكويتيين وضرورة استثمار جهودهم وإبداعاتهم بشكل أكبر حيث هناك طاقات تمثيلية رائعة.
كذلك عبَّر الدكتور أحمد صقر عن إعجابه بالتكامل الذي ظهر خلال مسرحية «كوميديا بلا ألوان» من حيث التلاقي بين المؤلف والمخرج والتمثيل والسينوغرافيا، إذ لم يكن هناك أي تنافر، مشيرا إلى فكرة المسرحية التي تشملنا جميعا، وهذا الأمر يجعل المشاهد أكثر تعلقا بالعرض.
بعد ذلك تحدث الدكتور محمد بلال متسائلا عن العنوان «كوميديا بلا ألوان» وكيف يمكن أن تكون هناك كوميديا بلا ألوان، معتقدا أنها كوميديا بلا تلوين، وكيف نقدم مسرحا بلا ألوان، مشيرا إلى علاقة المسرحية بالألوان وملاحظة اللونين الأبيض والأسود في جميع أنحاء العرض على خشبة المسرح والألوان البيضاء التي تكاد تتقاطع. كما تطرق د. بلال إلى معركة «فلان» التي لا تكاد تنتهي والتي لن تكون لها نهاية حيث يخوض معركة خاسرة في هذه الكوميديا السوداء التي هي مؤلمة أكثر منها مضحكة.
ليأتي دور مؤلف العمل سامي بلال الذي شكر الحضور وفريق العمل، مؤكدا أنه حضر كمتفرج مرحبا بجميع الآراء والتي يعتبرها شيئا أساسيا عنده.
أما مخرج «كوميديا بلا ألوان» أحمد الحليل فقال إنه عندما يعمل فإنه يتعلم باستمرار، مبديا سعادته بجميع الآراء المقدمة من الأساتذة والحضور.
وقال الحليل إن هذا العمل الأول الذي يكون من تأليف سامي بلال ولا يشارك معه، متوجها بالشكر للمسرح العربي الذي يفتخر بالعمل معهم، حيث تتلمذ على يدي الأستاذ فؤاد الشطي.
كما شكر الحليل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وإدارة مهرجان الكويت المسرحي على هذا التنظيم المميز.
وفي الختام قام مدير مهرجان الكويت المسرحي العشرين فالح المطيري بتكريم الدكتورة إيمان شعبان تقديرا لمشاركتها وجهودها البناءة.

 

 

 

شكرت إدارة المهرجان والقائمين على المسرح الكويتي

حصة العباد: توظيف الأزياء في العرض المسرحي أحد أهم عوامل نجاحه

 

كتب: يوسف غانم
أشادت مصممة الأزياء حصة العباد، في العرض المسرحي «هاديس»، بتعاون الجميع في إنجاز العرض المسرحي على أكمل وجه وفي مقدمتهم المخرج أحمد العوضي، والذي يشارك ضمن فعاليات مهرجان الكويت المسرحي في دورته الـ 20، موجهة الشكر كذلك إلى إدارة المسرح الكويتي على الثقة التي أولوها إياها. وقالت العباد إن تصميم الملابس بالنسبة للمشاركين بأي عمل فني، وخصوصا على المسرح، يتطلب في البداية فهما كبيرا للنص المراد عرضه، وكذلك التنسيق مع المخرج ومهندسي الديكور والإضاءة لتظهر بصورة متكاملة، ولتساعدهم الأزياء بألوانها وتصاميمها في إيصال الرسالة المرادة إلى الجمهور، إذ إن لكل شخصية من المشاركين أزياؤها الخاصة والتي تتناسب مع الدور المؤدى، لذلك يجب الحرص على وضع تصور عام عن العرض ثم دور كل ممثل وبما يتناسب مع المشاهد التي يؤدونها على خشبة المسرح. ولفتت العباد إلى أهمية أخذ خلفية المسرح والإضاءة وانعكاسها على ملابس المشاركين في العمل المسرحي بعيدا عن الإزعاج البصري، إضافة إلى التوظيف المناسب للأقمشة وتصاميمها، وتناسقها مع الديكور أيضا، مبدية سعادتها بإعجاب الجمهور والنقاد بمستوى الأزياء في عرض «هاديس».
وتمنت العباد لجميع المشاركين التوفيق في أعمالهم وبما يرفع اسم الكويت ويحقق أهداف المهرجان في ترسيخ مكانة المسرح واكتشاف المبدعين من أبناء الكويت، مشيدة في الوقت ذاته بالتنظيم المميز من إدارة المهرجان وبمتابعة وحرص الأمانة العامة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب على إظهار المهرجان بأبهى صورة.

 


الكاتب والمؤلف المسرحي السعودي أشاد بفعاليات المهرجان

ياسر مدخلي: الكويت واحدة
من منارات المسرح العربي

مسرح «كيف» تجربة لابتكار نموذج مسرحي يتناسب مع المجتمع السعودي

لغة الناقد أعلى من لغة العمل المسرحي.. هناك لغة متعالية وإغراق في المصطلحات النقدية

المسرحيات الكويتية دخلت بيوتنا من خلال التلفزيون

المسرح السعودي يعمل بشكل فطري.. ربما كان غير منظم مؤسساتيا بشكل كامل

الندوة الفكرية المصاحبة للمهرجان إضافة مهمة لتبادل الخبرات بين المسرحيين العرب
المسرح السعودي حاضر بقوة على الساحة الخليجية.. بل العالمية

أزمة المسرح عالمية.. وأكبر تحدياتها جذب المتلقي إلى المسرح

كتب: محمد أنور
ياسر بن يحيى مدخلي مسرحي سعودي متعدد المواهب، فهو كاتب وباحث ومؤلف وممثل ومخرج مسرحي، وهو مؤسس مسرح «كيف» في المملكة العربية السعودية، حاصل على الماجستير في الدفاع الاجتماعي وحقوق الإنسان والدبلوم العالي في البحث الاجتماعي والبكالوريوس في آداب اللغة العربية، وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان من خلال مبادرات يسعى من خلالها إلى نشر الثقافة الحقوقية والتعريف بمهنة الخدمة الاجتماعية، وله أبحاث ودراسات قدمها في مختلف المناسبات ونشرها بموقعه على الإنترنت.

مدخلي يشارك للمرة الأولى في مهرجان الكويت المسرحي في دورته الــ 20 مشاركا في الندوة الفكرية، نشرة مهرجان المسرح التقت مدخلي وحاورته حول العديد من الأمور المسرحية.

- كيف تنظر إلى مهرجان الكويت المسرحي الذي تشارك فيه للمرة الأولى من خلال الندوة الفكرية؟
هذه هي المرة الأولى التي أحضر فيها مهرجان الكويت المسرحي، لكني بالطبع أعرف الكثير عن الحركة المسرحية في الكويت.
فالكويت تُعتبر إحدى منارات المسرح العربي والخليجي، وأتابع المسرح الكويتي منذ الصغر، وقد تأثرت بهذا المسرح كثيرا، حيث وصلت المسرحيات الكويتية من خلال التسجيل التلفزيوني إلى بيوتنا، ويُعتبر هذا المهرجان أحد أهم المهرجانات على المستوى الخليجي والـعربـي بـما يـحـملـه مـن مـضـمون ومـن مشاركات لأسماء لامعة في المـسـرح، وهذا المهرجان شــق طــريقه بنجاح على رغم ما مر به من الظروف لكنه صمد، وها هو يحتفي بدورته
الـ 20.
اجتهادات منظمة
- ما أهم معالم الحركة المسرحية في السعودية حاليا؟
المسرح السعودي يعمل بشكل فطري، ربما كان غير منظم مؤسساتيا بشكل كامل، ولكن كل الاجتهادات والمحاولات التي مورست في المسرح السعودي كانت منظمة. المسرح السعودي حاليا حاضر بقوة على الساحة الخليجية بل العالمية، سواء بالأبحاث والدراسات أو العروض، وأصبح للمسرح التجاري وجود في الساحة المسرحية، وأصبح الجمهور يتعامل مع المسرح السعودي بشكل يومي من خلال أنشطة وزارة الثقافة وهيئة الترفيه.

- هل رياح التغيير التي تهب على المملكة حاليا والانفتاح الذي تشهده سيوثر إيجابيا في المسرح السعودي؟
المسألة ليست لها علاقة بالانفتاح، لأن كلمة الانفتاح تعطي انطباعا سطحيا عما يحدث، هناك أنشطة عديدة تتم داخل الحركة المسرحية منذ سنوات، وزارة الثقافة في السعودية كانت تنفق الكثير من الأموال على الأنشطة المسرحية، أمانات المناطق كانت تقدم الدعم للمسرح في بعض المناطق، وكان هناك نشاط كبير في الجنادرية والمنافسات المسرحية، وكان هناك مهرجان المسرح السعودي وكانت هناك منافسات مسرحية بين المدارس، المسألة لا أعتقد أنها انفتاح وإنما فلنقل إعادة ترتيب الأوراق واختلاف السياسة داخل العمل الحكومي لدعم الأنشطة الإبداعية ومن بينها المسرح.

مسرح كيف؟
- أنت مؤسس مسرح «كيف»، وهو تجربة جادة لدفع الحركة المسرحية في السعودية كيف ولدت الفكرة وما الذي وصلت إليه؟
بدأت فكرة مسرح «كيف» في العام 2006 وهي محاولة بسيطة بابتكار نموذج مسرحي يتناسب مع المجتمع السعودي، في السعودية نسبة غير السعوديين تعادل نصف عدد السكان، وهو ما يعني أنك لديك مجتمع لديه العديد من الجنسيات والتوجهات والأعراق وحتى المشكلات والقضايا التي لا تخص السعوديين فقط، المسرح هنا يتعامل مع الفن المسرحي بعيدا عن الجنسيات والعقائد والتوجهات، لكنه في الوقت نفسه لا يهمل الهوية الوطنية. حاولت في هذا المسرح تأسيس منهجية جديدة ملائمة للجمهور يقدم من خلالها المسرح أعمالهم المسرحية، صممنا نموذج التجربة المسرحية منذ العام 2006 وحتى العام 2016، وتوصلت خلال هذه السنوات إلى نموذج ومنهجية بالتجارب المسرحية السابقة، وسيصدر في كتاب قريبا.

- كيف ترى معالم أزمة المسرح العربي؟
أزمة المسرح أزمة عالمية، ليست فقط في المنطقة العربية، وإنما المسرح في كل العالم يعاني، وهناك أزمة يمر بها المسرح في كل أرجاء العالم، هذه الأزمة كما أعتقد تكمن في النص والممثل والنقد والبحث، كل المنظومة المسرحية بها أزمة، والسبب وراء كل هذا أن المسرحيين يعانون مشكلة عدم الانتباه إلى التحديات الحقيقية التي تواجه متلقي المسرح الذي يمثل العمود الفقري لنجاح المسرح، لكن الجمهور للأسف يأتي في آخر سلم اهتمامات المسرحيين، المتلقي يواجه الكثير من التحديات التي تكاد تخطفه من المسرح، أنت في عصر الهواتف الذكية ومواقع التواصل واليوتيوب، وتطبيقات تقدم لك العمل الفني وأنت جالس في بيتك. التحدي الأكبر الذي يواجه المسرحيين في العالم كله هو كيف تجعل المتلقي يخرج من بيته ويدفع ثمن التذكرة ليشاهد عملا مسرحيا جادا، الجمهور يحتاج اليوم إلى المتعة والإبهار في المسرح على غرار ما تقدمه الوسائل التقنية والرقمية.
هذه التحديات سواء على المستوى التقني أو النص لا تتوافر في المسرح، وستتسع الفجوة إذا لم ينتبه المسرحيون لكيفية تطوير العروض المسرحية لجذب المتلقي، خاصة أن المسرح عكس السينما ينطلق من الوعي.

أزمة النقد
- وماذا عن أزمة النقد التي لها محورٌ خاص في الندوة الفكرية التي تشارك فيها أنت؟
بالطبع يعاني المسرح العربي أزمة نقد. النقد المسرحي أحد الجوانب التي تعاني التأزم، فلغة الناقد أعلى من لغة العمل المسرحي، هناك لغة متعالية وإغراق في المصطلحات النقدية، لا تتماشى حتى مع لغة صانع العرض البسيطة، النقد المسرحي في حاجة إلى إعادة النظر في طريقة تعامله مع العمل المسرحي، أنا اعتقد أنه يجب أن يكون داخل كل فرقة مسرحية ناقد عليه أن يرافق كل عمل، حتى يكون هناك عمل متقن، ذلك أن النقد الذي يأتي دوره بعد العرض المسرحي طريقة عفّى عليها الزمن.

- تشارك في الندوة الفكرية بورقة عن آلة الدهشة والتي تعني بها «السينوغرافيا».. لماذا تعتبرها آلة للدهشة؟
أشارك بورقة بحثية عن الخطاب المسرحي الخليجي، وأتحدث عن منطقة السينوغرافيا، وهي جانبٌ صوتي بصري، وهي من الأدوات المهمة في صناعة الإبهار والدهشة في العرض المسرحي. والحركة المسرحية بطيئة التطور، لكن السينوغرافيا تطورت بسرعة، ووجدت في المسرح رد اعتبار أكثر من الفنون الأخرى.

الندوات الفكرية
- هل تعتقد أن مثل هذه الندوات الفكرية تساهم في دفع الحركة المسرحية العربية؟
بالطبع يُحسب لمهرجان الكويت المسرحي وجود ندوة فكرية مهمة مصاحبة لنشاط الأعمال المسرحية في المهرجان، وهذه الندوة مهمة للغاية، إذ تجمع كوكبة من المهتمين والمهمومين بأمور المسرح، وفي الوقت نفسه تناقش قضايا مهمة في الفن المسرحي، وكذلك تتيح تبادل الخبرات بين المسرحيين العرب وتثري ذهنية العاملين بالمسرح من خلال سرد تجارب المسرحيين الذين قدموا أعمالهم في بيئات مختلفة، ثم إن الجمهور يستفيد أيضا بقراءة حصيلة هذه الندوات مطبوعة، أنا أعتقد أن إقامة هذه الندوات إضافة تُحسب لأي مهرجان مسرحي يسعى إلى النجاح.

 

كرمها مهرجان المسرح مع باقة من الرواد
أمل عبدالله: الكويت تحتضن أبناءها
ولا تبخسهم حقهم


مهرجان الكويت المسرحي أصبح ضرورة ملحة من ضرورات الحركة المسرحية

المسرح يواجه كثيرا من التحديات في العصر الحالي ويمر بظروف مادية صعبة

هناك أزمة نقد موازية لأزمة المسرح.. ما يُكتب ليس نقدا مسرحيا بل نقد انطباعي

كتب: محمد أنور
تمتلك الإعلامية الكبيرة أمل عبدالله مسيرة حافلة. تنتمي أمل عبدالله إلى جيل الرواد الذي وضع اللبنات الأولى للحركة الثقافية والمسرحية والفنية في الكويت، منذ انطلق صوتها كأول صوت نسائي من الإذاعة الشعبية العام 1964، وهي تشارك بفاعلية في الحركة الثقافية الكويتية إعلامية وإذاعية وكاتبة وناقدة، بالإضافة إلى عضوية العديد من المؤسسات وحاليا هي عضو بمجلس إدارة رابطة الأدباء الكويتيين.
مهرجان الكويت المسرحي في دورته الــ 20 اختار العبدالله لتكريمها مع مجموعة من رواد الحركة المسرحية في الكويت والخليج وهم: الكاتب المسرحي بدر محارب والناقد والمؤرخ الفني صالح الغريب، والفنانون عبدالعزيز المسلم وحسن القلاف ومحمد العجيمي وهدى حسين وعبدالعزيز الهزاع والمخرج رمضان علي، والسعودي فهد الحارثي. وهو ليس التكريم الأول لأمل عبدالله، بل سبقه الكثير من التكريمات داخل وخارج الكويت لدورها الرائد في الحركة الثقافية والفنية.
نشرة المهرجان التقت العبدالله وحاورتها.
ماذا تقولين عن اختيار مهرجان الكويت المسرحي في دورته الــ20 لتكريمك مع باقة من رواد الحركة المسرحية في الكويت والخليج؟
أنا سعيدة بهذه المبادرة الطيبة التي تأتي ضمن هذه التظاهرة المسرحية الكويتية الجميلة التي يقوم بها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب كل عام وأعني بها مهرجان الكويت المسرحي، وأشكر الزملاء في المسرح الشعبي على ترشيحي لهذا التكريم، وهذا التكريم ليس بغريب على الكويت، هذه هي الكويت التي تحتضن أبناءها ولا تبخسهم حقهم، وسعيدة بهذه الكوكبة من الرواد الذين تم تكريمهم في حفل افتتاح مهرجان المسرح وبعضهم زملاء الدرب.
أنت عاصرت الدورات السابقة في مهرجان الكويت المسرحي ما أهمية هذا المهرجان؟
لهذا المهرجان أهمية كبيرة ليس في الكويت فقط وإنما في منطقة الخليج والمنطقة العربية أيضا، وهذا المهرجان أصبح ضرورة ملحة من ضرورات الحركة المسرحية، المسرح يواجه الكثير من التحديات في العصر الحالي، ويمر المسرح بظروف مادية صعبة من أجل تقديم عروض مسرحية على المسارح الأهلية، ولم تعد الميزانية تكفي هذه المسارح لتقديم أعمال مسرحية طوال العام، المسرح يأتي كمتنفس لهذه الفرق لتنشيط الحركة المسرحية في الكويت، ويكاد يكون هو المهرجان الوحيد الذي يحفز الفرق المسرحية على العمل وتقديم العروض الجديدة، وأنا بهذه المناسبة أطالب الإخوة في الدولة ممثلة في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالبحث عن آلية لدعم المسارح الأهلية لتمارس دورها وتستمر في تقديم رسالتها، فليس من المعقول أن تتوقف الحركة المسرحية ولا تعمل إلا من أجل المشاركة في المهرجان، لا يجب أن نتخلى عن دور المسرح، في الوقت الذي تغلبت فيه بعض الدول العربية على أزمة الميزانية وتقدم أعمالها طوال العام.
أزمة المسرح
العاملون في الحركة المسرحية في الكويت والمنطقة العربية يشتكون منذ سنوات من أزمة يعاني منها المسرح، كيف تحددين معالم هذه الأزمة؟
بالطبع المسرح يعاني في المنطقة وأزمة المسرح كما أعتقد تكمن في عنصرين: الأول أزمة وجود نص، فهناك صعوبة في وجود نص جيد، وأعتقد أن بعض المسرحيين الشباب تغلبوا على هذه الأزمة من خلال كتابة نصوصهم بأنفسهم، والعنصر الثاني يكمن في افتقاد التمويل اللازم لتحريك آلية العمل في الفرق المسرحية، الميزانية تلتهم الجزء الأكبر من العمل المسرحي التي توجه للأجور، الميزانية هي العقبة الكبرى في استمرارية الحركة المسرحية، بعض الأعمال المسرحية لكي تعتمد على نجوم كبار يتطلب أجورا عالية، والقليل منهم يتجاوز عن هذا الأمر من أجل المشاركة لأنه ينتمي لهذه الفرقة أو تلك.
أنت دارسة للنقد المسرحي فكيف تنظرين إلى النقد وهل ثمة أزمة أخرى يعاني منها النقد المسرحي؟
بالطبع هناك أزمة نقد موازية لأزمة المسرح، ما يُكتب من نقد مسرحي حاليا يطلق عليه النقد الانطباعي، وأصحابه يشكرون على تلك الجهود، النقد مكمل للعملية الإبداعية في المسرح، أين هذا الإبداع الذي يؤدي إلى انتعاش حركة النقد؟ النقد لا ينتعش إلا في ظل حركة مسرحية قوية، لدينا الكثير من النقاد والمعهد العالي للفنون المسرحية يخرج سنويا العديد من المتخصصين في النقد، لكن المشكلة أن النقد لا يجد تلك الحركة المسرحية المتألقة التي تحثه على العمل والإبداع.
الرقابة
يشتكي العاملون في الحركة المسرحية أيضا من الرقابة فهل تحد الرقابة من الإبداع المسرحي أم أن القائمين على العمل يجب أن تكون لديهم حصافة لتفادي مقص الرقيب؟
بالطبع يحتاج أي مبدع لأجواء من الحرية وأن يعمل بعيدا عن أي رقابة إلا من ضميره لكي يقدم عملا جيدا يحمل رسالة، وما أعرفه أن أعمال مهرجان المسرح ليست عليها رقابة مشددة، وهذه ميزة تحسب لوزارة الإعلام والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ثم إن الكاتب الحصيف كما قلت لديه من الأدوات ما يستطيع به أن يكمل العمل دون أن يدخل في معضلة مع الرقابة ليقدم عمله ورسالته وإنجاحها.
> مارست التمثيل في بداية حياتك مع الرائد محمد النشمي فلماذا لم تستمر التجربة وانتقلت إلى الإعلام الإذاعي والتلفزيوني؟
- شاركت ممثلةً في عمل واحد فقط في البدايات، كنت أعمل بالإذاعة واستعان بي المخرج محمد النشمي في أول عمل يقدمه للمسرح الكويتي، وكنت حديثة عهد بالمسرح الكويتي، ولكنني لم أجد نفسي في التمثيل وانسحبت وأسند الدور إلى شخصية أخرى، حيث اتجهت للقراءة والكتابة واستمرت رحلتي مع الإعلام.
هل أثرت مواقع التواصل الاجتماعي على جمهور المسرح؟
أنا أعتقد أن مواقع التواصل الاجتماعي قدمت العديد من الخدمات الجليلة للمسرح، وليس صحيحا أن هذه المواقع أخذت الجمهور من المسرح، العمل المسرحي الجيد سيجذب الجمهور، عندما تقدم للناس عملا مسرحيا مفيدا وجيدا سيأتيك الجمهور، السوشيال ميديا خدمت الفنون ومنها المسرح، لكن على أبناء المسرح تقديم أنفسهم من خلال الأعمال الجيدة وسيأتي لك الجمهور.
القطاع الخاص
كيف تنظرين إلى نجاح بعض الأعمال المسرحية في القطاع الخاص؟
نجاح العديد من العروض للفرق الخاصة يشير إلى معضلة الدعم للفرق الأهلية، هذه الفرق الخاصة توفر الدعم لنفسها وتنفق على العمل وتنجح وتقدم عروضها لفترة طويلة ويستقطبون الجمهور، هؤلاء فهموا لعبة المسرح ومعايير العمل الناجح من نص جيد وميزانية متاحة، عندما يتوافر لديك ممثل جيد ونص مكتوب بعناية وميزانية كبيرة ستقدم مسرحا جيدا وسيذهب لك الجمهور، القضية هي الدعم لا بد من وسيلة لزيادة الدعم للفرق الأهلية لكي تقدم عروضا ناجحة على غرار فرق القطاع الخاص التي تستمر عروضها لمدة طويلة وتستقطب جمهورا كبيرا.
ما رأيك في جيل الشباب بالحركة المسرحية في الكويت؟
هناك جيل يبشر بالخير للحركة المسرحية ومن خلال عضويتي في أكاديمية الشباب ألمس سعي هؤلاء الشباب لتقديم مسرح جيد، هؤلاء الشباب يمتلكون الأدوات التي تمكنهم من دفع الحركة المسرحية، ويقدمون أعمالا جيدة بالإمكانيات المتاحة التي يعتمدون بها على أنفسهم، تخيل لو هؤلاء الشباب حصلوا على اهتمام أكبر، والأمل كبير في الهيئة العامة للشباب لدعم شباب الحركة المسرحية من أجل دفع الحركة المسرحية في الكويت.

 


حصاد ثلاثين عامًا


انطلق مهرجان الكويت المسرحي في العام 1989، تفاعلًا مع اليوم العالمي للمسرح في 27 مارس. وتوقف قسرًا عقب الغزو الصدامي، قبل أن يُمنح قُبلة الحياة ويستأنف دورته الثالثة في العام 1999.
عبر ثلاثين عامًا اكتشف المهرجان مبدعين شبابا، ومنحهم جوائزه وتقديره، نستذكر منهم: أحمد السلمان أفضل ممثل واعد في الدورة الأولى، وصولًا إلى جمال الردهان، وزهرة الخرجي، وسماح، وعبير الجندي، وخالد أمين، وأحلام حسن، وفيصل العميري، وخالد البريكي، وأخيرًا عيسى الحمر وشيرين حجي. كأن المهرجان كتب شهادة ميلاد ثلاثة أجيال، أصبحوا اليوم ملء السمع والبصر.
كان الشباب هم فرسان خشبة المسرح، بروح الحماس، وطموح التجريب، إلى جانب حضور الكبار تمثيلًا وتكريمًا، ويكفي أن نشير إلى كوكبة ممن شاركوا وتوجوا بجوائزه: حياة الفهد، وعائشة إبراهيم، ومحمد المنصور، وجاسم النبهان، وخليل إسماعيل، وأسمهان توفيق، وعبدالرحمن العقل.
على صعيد الكلمة، برزت أسماء مثل: الكاتب القدير عبدالعزيز السريع، والكاتب الراحل محمد الرشود، مرورًا بكل من مشعل الموسى، وموسى آرتي، وفيصل العبيد، وصولًا إلى فطامي العطار، وتغريد الداود.
أما على صعيد التقنيات والإخراج فإن القائمة ستطول بنا إلى كوكبة لامعة، نستذكر منها: حسين المسلم، ومنقذ السريع، وعبدالله عبد الرسول، ووحيد عبدالصمد، ووليد عنبر، ومساعد الزامل، وخالد المفيدي، وعبدالله العابر، وفهد الفلاح، وأسامة الشطي، ومحمد الرباح، وأيمن عبدالسلام، وفهد المذن.
كما خصص المهرجان دائمًا محورًا أساسيًا لتكريم الرواد من الكويت والعالم العربي، عشرات الأسماء من الرواد والمؤسسين، منهم: أمينة رزق، ومحمد توفيق، ود. سعيد خطاب، وصقر الرشود، وحسين الصالح الحداد، وأسعد فضة، ونور الشريف، ومحمود ياسين، وسعد أردش، وعبدالعزيز النمش، وعبد الحسين عبد الرضا، وسعاد عبدالله، وعلي المفيدي، وخالد النفيسي.
كل هذه الأسماء ليست سوى أمثلة سريعة تنوب عن مئات المسرحيين، فمع استحالة حصر كل من مروا على خشبات مهرجان الكويت المسرحي لا نملك إلا أن نطلق إشارات محبة تومض بحصاد ثلاثين عامًا، وتؤكد أن شعلة المسرح ستظل باقية ومتوهجة، يسلمها جيل إلى جيل.
د. شريف صالح

 

Happy Wheels