منارة الفنان الراحل محمد السريع في مهرجان القرين

10 يناير, 2014

في أولى منارات مهرجان القرين الثقافي العشرين هذا العام، أقيمت في مكتبة الكويت الوطنية، في الساعة السادسة من مساء يوم الأربعاء الماضي، منارة الفنان الراحل محمد السريع، وشارك فيها الكاتب عبدالعزيز السريع والدكتور نادر القنة.

وقدم المنارة وأدارها الدكتور سليمان الشطي، الذي قال في كلمة التقديم: إننا نلتقي اليوم لنحيي الذاكرة الوفية التي تشير إلى حس التقدم وحس الحضارة، من يذكر ويتذكر رواد هذا البلد لا يرد جميلا ولكنه يستثمر ثروته الحقيقية بأن يستعيد هذه الشخصيات التي لم تمر عابرة، ولكنها عندما غادرته لم تتركه كما كان، بل أضافت شيئا جديدا.

والشخصية التي نستحضرها اليوم فنان، وما أعظم الدور الذي قام به الفنانون في بلادنا!

والفنان محمد السريع تعرفونه واحدا من هؤلاء الذين جاء بهم جميل الصنعة والمصادفة في زمن كانت الكويت في حاجة إليهم، في لحظة زمنية فارقة تبدأ من كل البدايات، حيث كل شيء كان يصنع الأساس الأول، وكان محمد السريع وجيله يصنعون شيئا جميلا لوطنهم الكويت.

ولا أريد أن أطيل ولكن حسبي أن أترك الكلمات لمن أعدوها، وهما الكاتب عبدالعزيز السريع، والدكتور نادر القنة.

وقبل أن يبدأ المتحدثان حديثهما عُرض فيلم تسجيلي عن الفنان الراحل محمد السريع من إعداد وانتاج المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

وفي حديثه بعنوان «جماليات الاشتغالات التمثيلية عند محمد السريع»، قال الدكتور نادر القنة: ولا يخلو المشهد الثقافي الكويتي من أسماء ثقافية وفنية سجلت تضحياتها خلال مشوارها الفني والثقافي، مثل: فهد العسكر، وفايق عبدالجليل، وعبدالعزيز النمش، وصقر الرشود، ومحمد النشمي، ومحمد مبارك الصوري، ومنصور المنصور، ومحمد السريع وغيرهم من الأسماء التي غدت اليوم منارات ثقافية في وطنها.

لذلك فإن محمد السريع الذي اخترق التمثيل المسرحي مبكرا مع فرقة مسرح الخليج العربي – فرقته الأم – وحاضنته للعمل الإبداعي؛ منطلقا في دور فني مساند في مسرحية «الله يا الدنيا»  في العام 1967 وطوال خمسة وثلاثين عاما عاشها في محراب الفن والثقافة المسرحية، ساهم في صناعة 47 عرضا مسرحيا كويتيا، هذا خلاف نشاطه التمثيلي في الإذاعة والتلفزيون.

وكانت الموهبة وحدها جواز مروره إلى حرفة التمثيل، وكانت الفطرة والتلقائية أول أداة من أدواته الفنية التي راح يُفعلها على نحو واسع وينميها بالمران والتدريب والثقافة المسرحية النوعية.

والفنان محمد السريع وُلد ليكون ممثلا بالفطرة والطبيعة الساكنة في داخله.

وقد جرب في مشواره الفني أشياء كثيرة: الإعداد، والتأليف والتمثيل والإخراج الإذاعي والإدارة المسرحية، وإدارة الإنتاج، لكنه لم يحقق شهرته ونجوميته إلا في حقل التمثيل.

وهناك شهادات كثيرة وإجماع من أهل الرأي والاختصاص، ووجهات نظر نقدية تؤكد في مجملها العام ان الفنان محمد السريع كان في طبيعته الخاصة ودونما تمثيل فنانا موهوبا.

من جهته تحدث الكاتب عبدالعزيز السريع عن الفنان الراحل محمد السريع وأشار الى عدة جوانب شخصية ربطت بينهما لكونه ابن عمه وخال أولاده، وصديقا وزميلا ورفيق درب ولم يفترقا حتى رحيله رحمه الله، وقال أحب محمد السريع المسرح وأعطاه كل وقته، واقترب من الناس لأنه كان يحب التمثيل ولا يحب التصنع. إنه يقلق ويبحث ويسأل ويناقش ويحاول حتى يعثر على أسلوب تقديم الشخصية التي يمثلها، فتراه يتقمص ويستبطن هذه الشخصية ويصير معها كتلة واحدة.

وكان تلقائيا وعفويا فوصل إلى الناس بشكل مباشر، وأحب الجمهور فبادله حبا بحب.

وتابع: عبدالعزيز السريع: لم يعرف محمد السريع الارتجال ولم يؤمن به، وكان كثيرون يظنون انه يرتجل بسبب تلقائيته وبساطته وطبيعته، لكنه لا يرتجل بل يتمثل الدور ويحفظه ويجرب كثيرا قبل ان يستقر على طريقة أدائه.

وأضاف: لا يمكن لمن شاهد عروض المسرح في الكويت خلال الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين ان ينسى دور «شايع» لمحمد السريع في مسرحية «1، 2، 3، 4 بم» من اخراج صقر الرشود، أو دوره في مسرحية «حفلة على الخازوق»، أو أداءه المدهش في مسرحية «مجنون سوسو»، أو دوره القصير المثير في مسرحية «شياطين ليلة الجمعة»، أو دوره التلفزيوني في «الإبريق المكسور» أو «قاصد خير» وغيرها.

وقدم الفنان عبدالعزيز المسلم شهادته عن الفنان الراحل محمد السريع الذي شاركه العمل في مسرحيتي «عبيد في التجنيد» و«هاللو بانكو» وقال: بوصفي مؤلفا تفاعلت مع الفنان محمد السريع وتعاملت مع فنان مبدع يضيف أبعادا على الشخصية التي يؤديها بعفوية وبساطة، وهو من القلة القليلة التي لا تتكلف في الأداء ولا تبالغ، وإنما يبقى على سجيته الشخصية وطبيعتها.

وعندما تعاملت معه مخرجا أدركت وأيقنت سر تفرد المرحوم محمد السريع بالتلقائية والعفوية، واستطاع كفنان وإنسان أن يغرس في قلبي حبه وتقديره وهو ما تبقى لنا بعد رحيله، وستبقى ذكراه حاضرة في ذاكرتنا وقلوبنا.

وندعو له دائما بالعفو والمغفرة، وأن يجمعنا الله معه في جنات النعيم. 

* الفنان الراحل محمد السريع

يعتبر الفنان محمد السريع، الذي ولد في العام 1910، أحد فرسان فرقة الخليج العربي المسرحية، وقد عاش العصر الذهبي لتلك الفرقة بقيادة المخرج صقر الرشود وشارك مع الفرقة في مسرحيات: «لمن القرار الأخير»، و«نعجة في المحكمة»، ومسرحية «حفلة على الخازوق».

وكانت مسرحية «الله يا الدنيا» أول عمل مسرحي له في العام 1967، بعدها قدم خلال مسيرته الفنية ثمانية وعشرين عملا مسرحيا، منها 4321 بم، وضاع الديك، وشياطين ليلة الجمعة، وعريس بنت السلطان، وفرسان المناخ، وهي مسرحيات من إنتاج فرقة مسرح الخليج والقطاع الخاص، هذا فضلا عن ثمانية مسلسلات تلفزيونية منها بيت تسكنه سمرة، ومبارك والإبريق المكسور، ومدينة الرياح.

ولم يكن الفنان محمد السريع ممثلا متألقا فقط، بل كان مؤلفا ذكيا متمكنا من أدواته، يعرف كيف يقدم للجمهور عملا مسرحيا جذابا، وكان ذلك حاضرا من خلال مسرحيات «بخور أم جاسم» في العام 1969، و«يا غافلين»، في العام 1974، و«مجنون سوسو» في العام 1976 التي كتبها السريع. كما كان بطلها مع مجموعة من الفنانين، منهم هيفاء عادل وسليمان الياسين وعبدالله الحبيل، وأخرجها المخرج الراحل صقر الرشود.

وشارك الفنان محمد السريع في أعمال فنية عدة جعلته نجما من نجوم الحركة الفنية الكويتية، منها مسرحية «طماشة» من إخراج الفنان عبدالعزيز الحداد، وشارك في العديد من المسلسلات المحلية، سواء للأطفال ومنها «مدينة الرياح» أو في المسلسلات الجادة التي تناقش قضايا المجتمع الكويتي.

وعلى صعيد فرقة مسرح الخليج العربي فقد كان عنصرا فاعلا ومهما منذ أن انضم إليها في العام 1966، ومثلما كان فنانا محبوبا كان إنسانا محبوبا من زملائه، كما كان كريما، وعلى المستوى الإداري فقد ترأس مجلس إدارة فرقة مسرح الخليج العربي لمدة سنة واحدة، إضافة إلى أنه كان عضوا في مجلس الإدارة لسنوات عدة.

حصل الفنان الراحل محمد السريع على تكريم في مهرجانات مسرحية عدة في الكويت وتونس والقاهرة. وتوفي في الثالث من شهر ديسمبر من العام 1999، بعد صراع مع المرض، وقد أقامت فرقة مسرح الخليج العربي حفلا تأبينيا له، إضافة إلى معرض تضمن بانوراما لصوره ومشاهد من أعماله المسرحية، فضلا على معلومات وافية عنه.

لقد رحل الفنان محمد السريع، لكن أعماله المتميزة جعلت منه فنانا خالدا في ذاكرة الفن الكويتي.

 

 

Happy Wheels