الجلسة الرابعة من ندوة "القرين" بحثت التخلف السياسي وأبعاده الحضارية

14 يناير, 2014

 

تناولت الجلسة الرابعة محور "التخلف السياسي وأبعاده الحضارية" وناقشت بحثين من د.عبدالله القويز، والدكتور اسماعيل الشطي، وأدار الجلسة المستشار بالديوان الأميري محمد أبو الحسن.

 أول المتحدثين كان الدكتور عبدالله القويز، واستعرض في حديثه وورقه بعض التعاريف البحثية حول  تعريف التخلف السياسي، واستطرد في شرح تعاريف عدة، ليتنقل إلى محور ثان في بحثه وهو موضوع "الوحدة العربية". وهنا وجه عدد من الأسئلة. منها هل الوحدة حتمية (قدرية)؟ يجيب أحد الباحثين بالنفي مؤكدا أن وحدة العرب لم تتحقق إلا في فترات تاريخية محدودة وبالتالي فهي مطلوبة ليس لذاتها وإنما لتحقيق أهداف استراتيجية أخرى للأمة كالقوة العسكرية لصد الطامعين والتقدم الاقتصادي وتحقيق الرفاه للمواطنين عن طريق توسيع السوق وزيادة تدفق الاستثمارات والعمالة وعناصر الإنتاج الأخرى لرفع معدلات دخل الفرد والوصول إلى مستويات تقنية عالية عن طريق حشد المزيد من الموارد والعقول لإجراء البحوث وتحقيق الإنجازات العلمية أسوة ببقية الأمم.

وتحدث القويز عما أسماه التحديات الداخلية والخارجية التي يتعين على قيادات الدول العربية فرادى ومجتمعين التعامل معها بكل الجدية، وأول هذه التحديات هو العامل الديموغرافي، وقال: لأسباب تخصها تسعى الدول الأوروبية إلى تعزيز علاقتها مع الدول العربية الواقعة جنوب المتوسط التي من جانبها ترحب بهذا التوجه لما سيجلبه لها من مصالح. فإذا تعزز هذا التوجه باتفاقيات وتدفق التجارة والاستثمار وترابط المصالح كما تشير التوقعات فإن الارتباطات التاريخية بين مشرق الوطن العربي ومغربه سوف تصبح أقل أهمية. ولذا فإن على العرب تعزيز ترابطهم الاقتصادي والتفاوض مع الكتل الاقتصادية العالمية كسوق واحدة.

قضية التعامل مع التاريخ الذي قال عنه الدكتور البيطار (إنه يرهق ككابوس مروع عقل الأحياء) إننا نعطي نوعا من القدسية لتاريخنا ونمجد أبطاله ونصورهم ككائنات فوق البشر إلى درجة تصوير الأحياء وكأنهم غير قادرين مهما أتوا من قوة أو ذكاء أو دهاء أو تجربة من مجاراة أولئك العظماء الذين صنعوا تاريخنا «المجيد». لا بد من حشد الجهود لإعادة كتابة تاريخنا بحلوه ومره وتخليصه من تلك الهالة التي تكبل الأحياء. إن هذا النداء ليس بجديد فكل أمم الأرض أعادت النظر بتاريخها مهما كان مجيدا وتركته يستريح وانطلقت لبناء مستقبلها.

زحزحة مفهوم الحضارة

واستعرض الدكتور اسماعيل الشطي ورقته البحثية المطولة والتي بدأها بحديث حول تعريف التخلف السياسي والحضاري ، لكنه عاد ليحذر من خطورة الاعتماذ على النموذج الغربي في قياس الحضارة والتقدم والتخلف، وفي هذا الصدد يقول الشطي: لا يمكن الحديث عن الحضارة الغربية من دون التوقف عند منجزاتها، فهي التي فتحت الفضاء ميدانا لأنشطتنا، نرقب الأرض منه، ونتنقل في أجوائه بين القارات، ونتواصل من خلاله سمعا وبصرا عبر البحار والمحيطات، ونتبادل الأخبار والأفكار والآراء وكأننا أمام بعض،

وقال إن الصراع كان ولا يزال أساس العلاقة بين المخلوقات في التصور الغربي، وكانت الحياة ثمرة القوة، ولذا لا تجد في المنظومة القيمية الغربية أي غضاضة في الانحياز للقوي (الرجل الأبيض) ومنحه جدارة الحياة أو الرفاه على حساب حياة الضعفاء، ولقد أفرز هذا التصور حضارة عنصرية منحازة لأعراق من دون أعراق ولديها هوس هستيري في حيازة القوة، وانتهى بنظام رأسمالي يقدس الحرية ما دامت تضمن له النمو على حساب العدالة، وأصبح استنزاف ثروات الكون سمة من سماته البارزة.

واختتم الشطي بالإشارة الى أن التاريخ لم يشهد منذ بدء الخليقة حضارة وضعت الحياة برمتها تحت تهديد الإبادة والدمار كما تفعل حضارة الغرب اليوم، ولم يشهد الإنسان قيادة عنصرية مغرورة تقود العالم نحو منحدر مجنون بسرعة هستيرية، ولم تكن حاجة البشرية لمشروع إنقاذ حضاري يعيد لها استقرارها وطمأنينتها مثلما هي عليه اليوم، وأن الوطن العربي لا يمكنه مجاراة الحضارة الغربية بمنجزاتها المادية والمعرفية، ولكنه يستطيع أن يقدم تصورا للحياة يعيد لها طهرها الذي لوثته الحضارة الغربية بأسلحة الدمار الشامل، ويقدم تصورا حول الكون يعيد العلاقة التبادلية بيننا وبينه وبين عافيتنا وعافيته بعد أن أثقلت الحضارة الغربية جسده بالجراح، ويقدم تصورا متوازنا للطبيعة وما وراء الطبيعة ليخفف من رعب الزمان داخل النفس البشرية والآخذ بالازدياد في ظل مادية الحضارة الغربية، ويعيد التوازن الروحي والمادي بعد أن أوغلت البشرية في غرورها نتيجة السيطرة على الطبيعة، غير أن الأرض العربية التي احتضنت الحضارات آلاف السنين، مازالت تحتفظ بداخلها مخزونا من التصورات المتزنة والفكر الراشد والنزعة الإنسانية، هذه الأرض تستطيع أن تكشف عن كنوزها لإنقاذ البشرية من جديد، لكن التخلف يكمن في البحث بين فضلات الآخرين والمضي في التبعية العمياء، وعندما رفع المفكر القومي ميشيل عفلق شعار «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة»، هل فكر الهتافون ما هي هذه الرسالة؟

Happy Wheels