الجلسة الختامية لندوة الكوميدا والمسرح .. تجارب قطر والسعودية وعمان

15 ديسمبر, 2013

في الجلسة الختامية لندوة "الكوميديا والمسرح" تم مناقشة ثلاثة تجارب للمسرح الكوميدي في قطر والسعودية وعمان، وكانت البداية مع د. حسن رشيد من قطر ، والذي قدم ورقة بحثية تحت عنوان "المسرح الكوميدي في قطر" ، ويؤكد في مقدمتها أن هناك أسبقية لدولة الكويت ومملكة البحرين عبر المدارس الأهلية، وعبر تلك التمثيليات القصيرة التي كانت تقدم في نهاية العام الدراسي، وتكون جل تلك الأعمال ذات ارتباط عضوي بتاريخ وأمجاد الأمتين العربية والإسلامية، وفي قطر لم يختلف الأمر كثيرا ولكن الأجمل أن ظهور هذا الفن قد وازن بين التراجيديا والكوميديا، في فترة السبعينيات من القرن الماضي وما تلاها.

 

ظهور الكوميديا

يرجع رشيد ظهور الكوميديا في قطر الى عدة روافد غذت المسرح في إطاره الكوميدي مثل: الأندية الصغيرة، وأندية الشركات، ليالي السمر، ولم يقتصر الإطار الكوميدي على الأندية الصغيرة أو أندية الشركات وتقديم أعمال ارتجالية نمطية، يتم استحضار النماذج من البيئة المحلية، وهذه الشخصيات تجسد القطري، البدوي، العماني، الإيراني، والمواقف التي تبنى على سوء الهفم.. هذا الإطار لم يكن مقصورا على البدايات الأولى في قطر فقط، بل نماذج قدمت في كل دول المنطقة والاختلاف في استمرارية اللعبة. وهذا الجانب كان الأكثر طرحا لمواضيع تلامس الناس عبر اللغة التي يخاطب بها الفنان المتلقي أولا، فهو يرى ذاته فوق خشبة ما يمكن أن نتجاوز فنطلق عليه خشبة مسرح.

كل تلك المحاولات أفرزت ولا شك جيلا آخر، ولكن كانت العودة مرة أخرى إلى التعليم الإلزامي ودور دار المعلمين في تقديم عمل من التاريخ الإسلامي (صقر قريش) ولعل هذا النشاط المدرسي قد ساهم في ظهور المسرح في قطر عبر اهتمام الدولة بالمسرح وظهور كيان مهم ولعبت الإذاعة في 25 يونيو 1968، الإذاعة دورا مؤثرا في خلق نواة أخرى للمسرح في قطر.

ويقول رشيد: كان المسرح القطري مع ظهور الفرق الأهلية قد أخذ منحى آخر بين طرح القضايا الاجتماعية الآنية والمزمنة وكان ظهور جيل جديد قد ارتبط بهذا الفن منذ عام 1971، وعرض معهد دار المعلمين «حلاة الثوب رقعته منه وفيه». ثم تكوين الفرق المسرحية المختلفة مثل المسرح القطري، السد، (العربي – توقف لاحقا) الأضواء (قطر الأهلي – توقف لاحقا) المسرح الشعبي. واقتصر الأمر الآن على فرقتين فقط – فرقة قطر المسرحية، وفرقة الدوحة لاحقا، كانت جل الأطروحات التي تقدم فيما مضى تتمثل في طرح القضايا التي تلامس الواقع أو يتم تقديم أعمال من الأدب العالمي.

وتابع: تاريخ المسرح الكوميدي في قطر إذن مرتبط بنتاج غانم السليطي، هذا الفنان العصامي والذي اعتمد على موهبته وحبه للتمثيل ورسخ هذه الموهبة بالعلم والمعرفة والجهد والاجتهاد وقبل أن يخطو أولى خطواته في مجال التأليف والإخراج والتمثيل والإنتاج في عام 1986 عبر مسرحيته الصرخة «عنتر وأبله» كانت هناك إرهاصات لموهبة هذا الفنان وإن كانت لا تشكل سوى محطات عابرة سواء كان في قطر أو في الكويت عبر العرض المسرحي «طماشة» مع الفنان محمد جابر، عبدالرحمن العقل، محمد الرشود وغيرهم.

وفي ختام ورقته البحثية يقول رشيد إن المسرح الكوميدي الآن شبه مغيب في كل الأقطار العربية، وإلا فماذا نقول عن المسرح المصري، أو السوري، على سبيل المثال، وإن كانت هناك اجتهادات لدى البعض هنا أو هناك، نعم هناك من يملك القدرة على دغدغة مشاعر الجمهور، لكن ما نتمناه هو الكوميديا التي تشارك الناس همومها وأحلامها في آن واحد.

 

المسرح السعودي

وفي المحور الثاني من الجلسة عرض علي بن عبدالعزيز السعيد للمسرح الكوميدي في السعودية وقدم ورقة بحثية بعنوان "الكوميديا في المسرح السعودي" مستعرضا بدايات المسرح الكوميدي في ويقول : المسرح في المملكة العربية السعودية في بداياته يدين بالفضل للمسرح المدرسي الذي ظل لفترة طويلة هو السائد في المشهد المسرحي منذ أقدم بذرة له والتي تعود لعام 1928م في المدرسة الأهلية بعنيزة وما تلاها من تمثيليات مسرحية قدمت من مدارس عديدة بمختلف مدن المملكة، حيث حلت الكوميديا فيها مساحة كبيرة، ويعد عبدالعزيز الهزاع رائدا لكوميديا التمثيلية المرتجلة في المسرح السعودي حيث بدأ في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي بتقديم تمثيلياته الكوميدية الارتجالية التي يعالج فيها كثيرا من قضايا المجتمع ويرصد تطوراته الحضارية والثقافية بقالب ساخر، كان أشهر تلك التمثيليات «بدوي في طيارة» التي حفظها لنا وللتاريخ حينما طبعها على اسطوانة صوتية في بغداد العام 1957م.

وتابع: استمر العطاء الكوميدي الارتجالي مع ظهور الأندية الشبابية والرياضية وما تقدمه من أعمال مسرحية كوميدية اجتماعية في حفلاتها ويؤكد ذلك الأستاذ سليمان البادي رئيس النادي العربي في حديثه عن أنشطة ناديه المسرحية خلال الستينيات الميلادية. ومع ظهور التلفزيون وظهو البرنامج الشهير مسرح التلفزيون وهو برنامج منوع يقدم في العديد من الفنون الغنائية والمونولوجات والاسكتشات ظهرت أسماء عديدة تقدم الكوميديا المرتجلة سواء فردية أو ثنائية أمثال الهزاع نفسه وسعد التمامي والثنائي الشهير حسن دردير ولطفي زيني «تحفه ومشقاص». والذين كان لهم دور كبير في بدايات التمثيل التلفزيوني والمسرحي بالمملكة. كذلك فإن التلفزيون السعودي أنتج عددا من المسرحيات التلفزيونية الكوميدية مثل عريس من ذهب.. بيد أن ظهور جمعية الفنون الشعبية بالإحساء والتي قدم من خلالها العديد من المسرحيات الكوميدية ذات الطابع الارتجالي حيث يقدم المؤلف الفكرة وملخصا للمسرحية ويبدأ الممثلون بارتجالاتهم وبناء العرض من خلالها أمثال: العزوبية، طريق الزلق، السبع، الزوج الثاني، عظيم الهش، قديمك نديمك.

في حين أنه في الرياض قدم التلفزيون السعودي مسرحية «طبيب بالمشعاب» وعرضها للجمهور كأول مسرحية يعرضها من إنتاجه العام 1974 وهي عن نص «طبيب رغم أنفه» لموليير إلا أنها لم تخل من ارتجاليات الممثلين الذين أضفوا على العرض الصبغة المحلية كما يقول ذلك إبراهيم الحمدان معد ومخرج المسرحية: الذين أصروا على تقديم المسرحية بطابع محلي صرف وليس كما كتبها موليير.

بدايات الكوميديا

ومع إنشاء جمعية الثقافة والفنون وبداية مزاولة نشاطها المسرحي بمسرحية «آخر المشوار» في الرياض ومسرحية «رزة والبطن خالي» في الإحساء يمكن لنا أن نعتبر ذلك التاريخ هو انتهاء عصر تمثيل النص المسرحي المرتجل وظهور كوميديا مدروسة ونص مكتوب على الرغم من سيطرة النمط الكاريكاتوري الذي قدمه الهزاع في مرتجلاته إلا أن هذه الكوميديا لم تخرج عن نطاق الطرح الاجتماعي ونقد الظواهر السلبية في المجتمع عن طريق أحداث وشخوص من الحياة اليومية السائدة في ذلك الوقت وظهر خلال نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات عدد من المسرحيات الكوميدية مثل: قطار الحظ، عقاقير وعقارات، زواج بالجملة، مين يكمل الثاني، باقي الغسيل، تلميذ رغم أنفه، قدر الشراكة. تحت الكراسي، وتميزت تلك المسرحيات بالالتزام بقواعد النص التقليدي مع سيطرة كوميديا الفارس على أغلبها وارتكازها على موهبة الممثل وخفة روحه.

المسرح الكوميدي في عُمان

أما المحور الأخير في الجلسة الختامية فكان مه الباحث محمد علي النهاري من سلطة عمان، وقدم خلاله ورقة بحثية عن المسرح الكوميدي في عمان، ويقول في مقدمتها: إن بداية دخول تجربة التمثيل إلى سلطنة عمان كانت من خلال المدارس السعيدية الثلاث التي كانت تقيم في نهاية العام حفل تكريم للطلبة المتفوقين دراسيا وثقافيا، وتحفل هذه المناسبة ببرامج قصيرة كالأناشيد والأغاني الوطنية التي يؤديها طلاب المدرسة، كذلك تقدم مسرحيات قصيرة أو اسكتشات ضمن برامج الحفل، وتكون نصوص هذه المسرحيات مستمدة من المنهج المدرسي وأحيانا بالاتفاق على تقديم عرض مسرحي سريع من خلال فكرة معينة وبموجبها يتم توزيع الأدوار على الطلبة المؤدين للعرض، وكانت تتميز هذه العروض بالارتجال والعفوية، وغالبا ما يكون همها الإضحاك، أما مهمة تدريب الطلاب وإخراج هذه العروض فكان يتولاها مدرسو المدرسة بالتناوب، ومن هذا نخلص إلى أن بداية التجارب التمثيلية في السلطنة كانت انطلاقتها من المدرسة السعيدية.

بدايات المسرح

ورصد النهاري في ورقته سرد تاريخي يلبدايات المسرح في سلطنة عمان  ويقول: في أوائل السبعينيات، بدأ دور الأندية ينشط، حيث نشط الطلاب الذين كانوا يدرسون في المدرسة السعيدية والطلاب العمانيون الذين درسوا في الإمارات والكويت ومصر وبيروت، ومن خلال مشاهدتهم للعروض خارج السلطنة جاءوا لينقلوها ويفيدوا بها وطنهم، ومن هذه الأندية بعض أندية مسقط وأندية صلالة، ومنه بدأ يتطور النشاط المسرحي، وفي العام 1980، تأسست فرقة مسرح الشباب، وهي أول فرقة مسرحية شبه متخصصة، فيما انحسر نشاط الأندية أواخر السبعينيات، ولم يكن الطريق ممهدا أمام مسرح الشباب في أول عهده، تم إشهار الفرق المسرحية الأهلية بالتتابع، غير أن بعض الفرق قد اكتفت بإشهارها ولم تقدم أي عمل مسرحي، لكن بعض الفرق تميزت بتقديم عروضها، الأول عقب الثاني، لتكون لها رصيدا ليس بالقليل من المسرحيات المعروضة، كما كان إنشاء قسم الفنون المسرحية بجامعة السلطان قابوس يعد خطوة مهمة لإنتاج جيل من الشباب العماني المؤهل أكاديميا ليساهم في تنشيط الحركة المسرحية بالسلطنة.

وحول دور المسرح الكوميدي في تكوين قاعدة جماهيرية للمسرح في سلطنة عمان، يقول النهاري إن العروض المسرحية الكوميدية استطاعت أن تقرب بين المحبين من هذا الفن الحديث في السلطنة، خاصة في فترة السبعينيات، وهي فترة بناء دولة عمان الحديثة التي كانت تقدم فيها الأندية الاسكتشات الكوميدية التي تحاكي الواقع والقضايا التي تهم المواطنين في تلك الفترة، غير أن المسرح الكوميدي لايزال هو الجاذب الأكبر لجماهير المسرح، نظرا لما يحققه من متعة وفرحة وترويح عن النفس، وكذلك لسهولة تلقي المعلومة والحدث الدرامي لدى المتلقي، إذ إن هذه العروض تأتي في إطار المسرح الواقعي، فنجد أن الفرق الأهلية وبعض جماعات المسرح في الكليات والجامعات تستغل المناسبات لتقديم هذه العروض، وللمسرح الكوميدي الدور الأكبر.

Happy Wheels