الجلسة الثانية رصدت أبرز ملامح التطور الحضاري

14 يناير, 2014

 الباحثان: شريف الشوباشي- د محمد القباح – أدار الجلسة أ. عبدالله بشارة

في الجلسة الصباحية الثانية التي حملت عنوان المحور الثاني " أبرز ملامح التطور الحضاري" قدم خلاها بحثين الاول لوكيل وزارة الثقافة المصرية شريف الشوباشي، وأ.د محمد مصطفى القباج من المغرب، وأدار الجلسة أ. عبدالله بشارة

البداية كانت مع الشوباشي الذي قرأ من ورقته البحثية بعض مقاطع مشيرا إلى أن القوى الأوروبية لم تكن تجترئ على الاقتراب من العالم العربي لو لم يكن قد أصيب بالوهن والانحطاط، وكما قال مؤرخ الحضارات المعروف ويل ديورانت فإن «أي حضارة كبيرة لا تتعرض للغزو الخارجي إلا إذا كانت قد دمّرت نفسها من الداخل».

ومضى مؤكدا أن الغرب لم يأت لنشر الحضارة والرقي في بلاد متخلفة، كما ادعى بعض مفكريهم زورا وبهتانا، ومنهم شاعر بريطانيا الشهير كبلنج الذي تحدث عن «العبء الملقى على كاهل الرجل الأبيض لنشر الحضارة لدى الشعوب المتأخرة»، إنما جاءوا طمعا في السيطرة واستغلال خيرات بلادنا الطبيعية، وآخرها النفط الذي مازال يسيل لعاب أمريكا وأوروبا.

وبعد استعراض للقومية العربية، بداياتها وهزيمتها قال الشوباشي: علينا أن نقر بأنه على الرغم من فشل أحلام الوحدة العربية، وانهيار أيديولوجية القومية العربية، فإن هناك حقيقة لا يمكن إغفالها، وهي وجود وعي قابع ومستقر في أعماق ضمير غالبية من يتحدثون بلغة الضاد بأنهم يشكلون كتلة جماعية واحدة واقتناع راسخ بأن مصلحتهم تقتضي منهم أن يتكاتفوا وأن يتجمعوا حول أهداف واحدة، من دون أن يفقدوا استقلالهم، وأن تخضع قرارات الدول لإرادة خارجية عليا. لكن هذا الخلل الذي تحدثت عنه لا يشكل سوى جانب واحد من تفسير أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي.

وأكد الشوباشي أن الأزمة الحقيقية للعالم العربي اليوم هي أزمة في تحديد الهوية يترتب عليها اضطراب في تحديد الأهداف والسياسات اللازمة لتحقيق نهضة عربية طموحة تأخذ في الاعتبار المعطيات الدولية والإقليمية الجديدة، وعلاقات القوى المتغيرة في بداية القرن الحادي والعشرين. ولو أردنا تلخيص هذه الأزمة في جملة واحدة، فهي أن العقل العربي ممزق بين نزعة العودة إلى الجذور من ناحية، والرغبة في مواكبة تطورات العصر من ناحية أخرى.

وتساءل الشوباشي: ماذا بعد الوطنية التي انبعثت كرد فعل للاستعمار، ثم القومية العربية التي تبلورت واشتد عودها بإنشاء دولة إسرائيل التي اعتبرها العرب تهديدا لأمنهم القومي الجماعي، ثم الإسلام السياسي الذي أطل برأسه كبديل للقومية العربية في المواجهة السياسية والثقافية مع الغرب، والذي دخل الآن في غرفة الانعاش انتظارا لظهور البديل؟

واختتم الشوباشي حديثه بالتأكيد على أن العالم العربي لديه كل الإمكانات المادية والبشرية كي يخطو خطوات واسعة على طريق التقدم والنمو، لكنه يهدرها برفض الواقع وبرفض الالتزام بالمكتسبات الإنسانية التي تستفيد منها غالبية بلدان العالم التي لا تمتلك ربع الطاقات التي ننعم بها. مشكلتنا الأساسية أن كثيرين عندنا يعيشون كأن الزمن قد تجمد، ويرفضون الرضوخ لحقائق الحياة والمعطيات الجديدة التي قد تجعلنا نتنازل عن بعض ما نعتبره ثوابت ثقافتنا.

وقال: ما أرصده ويرصده معي كثيرون هو أن العالم اليوم يتجه نحو قيام الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة التي تتساوى فيها حقوق المواطنين من دون تفرقة، تقوم على الدين أو الجنس أو العرق أو اللون، مجتمع يكون فيه الشعب قادرا على محاسبة حكامه. فعلينا أن نسعى لبناء مثل هذه الدولة تأسيسا على تلك المبادئ التي لا تتعارض مع شريعة ديننا.

وفي الشق الثاني من الجلسة قدم د. محمد القباج ورقة بحثية بعنوان الوطن العربي بين آمال التطور الحضاري وحقائق الواقع الـمُرتبك" استعرض فيها محطات من إخفاقات ونجاحات العرب، وأشار إلى أواخر التسعينيات عندما ردد محمد جابر الأنصاري سؤالا مازال يحيرنا، وهو «لماذا لم تحسم الأمة العربية مصيرها، ولم تكمل نهضتها وتحقق أهدافها ووحدتها كما فعلت أمم شرقية أخرى؟ إن العجز عن الإجابة عن هذا السؤال المحير يعني أن الوطن العربي مصاب باختلال في التكوين الهيكلي يحول دون استحداث إطار حضاري يوحد ولا يفرق، يعظم الجوامع ويحترم الفروق»

ويؤكد القباج أن العالم العربي انشغل بالعولمة وآثارها وتداعياتها وكل الأدبيات الفكرية والسياسية وكل الوقائع تدل على أن هذا الوضع الجديد رافقه وعي شعبي ونخبوي لما آل إليه الوضع في الوطن العربي بخاصة بعد عشر سنوات من المخاضات أثثت العقد الأول من الألفية الثالثة كان الوطن العربي الإسلامي على نار حامية، والغرب الأوروبي والأمريكي ينوب عنا في تدبير الشأن القومي ويعد العدة للقيام بعملية تقطيع هي الحلقة الثانية من «سايكس يكو» في غفلة منا ونحن نعمق الفوارق فيما بيننا، ونضيق الخناق على شعوبنا. فكانت هذه الهزّات هي الظروف التي أضرمت ثورات الشارع العربي تحت مسمى «الربيع العربي» بدءا من تونس فمصر واليمن وليبيا، وما أعقب ذلك من محاولات حراك في البحرين والسودان، وصولا إلى ما عليه الوضع في سورية راهنا.

ويؤكد القباج إن السنوات الثلاث التي مرت على الربيع العربي لم تأخذ منحى تطويريا بل اتخذت اتجاها تقهقريا سياسيا واقتصاديا وثقافيا. لقد كلف إخفاق الربيع العربي بسبب التحريفية غاليا، افتقد العرب أمن السكان، وتراجعت الاستثمارات الوطنية والأجنبية، وركدت السياحة وهربت الرساميل، وارتفعت نسب البطالة، وتضاعف التضخم والدين الخارجي، وانخفضت الصادرات وتقلص الاحتياطي من العملات. شرعت دول الغرب، والحالة هاته في ذرف دموع التماسيح مشفقة على هذا العالم، فتسابقت من أجل حث الحكومات العربية على إقامة شراكات بدعوى الرفاه المشترك تغطي المجالات الصناعية والاقتصادية والتجارية بل حتى الخدمية، فسارعت إلى صب المليارات من الأموال تعزيزا وترسيخا للقيم الكونية الحداثية والديموقراطية في الجسم العربي كأن العرب لم يتجاوزوا عصرهم الجاهلي.

ويختتم بالقول: إن الخيار الذي سيفرض نفسه في الوطن العربي هو الاتجاه نحو التوافق على شكل للدولة يتأسس على الحقائق التاريخية لهذا الوطن، إنه الخيار الذي سيتيح لهذا الوطن الشروع في إقلاعته الحضارية المتوافقة مع مستلزمات الحرية والعدالة والحكامة الجيدة قطريا وإقليميا، مما سيتيح للكتلة العربية أن تكون فاعلة على الصعيد العالمي بطاقاتها المادية والبشرية.

Happy Wheels