الجلسة الثامنة : نظام التعليم العربي وأزمة التطور الحضاري

16 يناير, 2014

الباحثان د. محمد بن فاطمة - د فوزي أيوب  أدار الجلسة أ. حمد العماري

التعليم من القضايا المهمة وحجر الزاوية في التطور الحضاري ، حول نظام التعليم العربي ودوره في أزمة التطور الحضاري العربي دار النقاش في الجلسة الثامنة من جلسات ندوة "القرين" الفكرية، التي أدارها حمد العماري الأمين العام المساعد لمؤسسة الفكر العربي، وتمت مناقشة بحثين الأول للدكتور محمد بن فاطمة الخبير الدولي في تقويم النظم التربوية، والبحث الثاني قدمه الدكتور فوزي أيوب أستاذ العلوم التربوية في جامعة السوربون،

في البداية يقول الدكتور محمد بن فاطمة إن التحاليل السابقة أنّ التربية نتاج للمجتمع بقدر ما هو صانع لها، لكنه لا يستطيع أن يكون صانعا لها إلا إذا تغلبت التربية على العوامل التي تشدّها إلى الخلف؛ ومنها العوامل السياسية والاقتصادية، والاجتماعية التي تؤثّر فيها وتتأثّر بها. ويكون ذلك من خلال رصد هذه العوامل، وتحليلها، والكشف عن طرائق تأثيرها؛ ثمّ الانطلاق من معرفة هذه البنية لرسم سياستها، وتوجّهاتها الجديدة.

واكد بن فاطمة أن التربية العربية تحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى حركة تجديد تربوي شاملة تتجاوز حدود الإصلاح الجزئي. وتعتمد رؤى جديدة تنطلق في ذلك من الواقع الميداني. وتضع الأهداف الواضحة والسياسات الوجيهة، التي تحدّد الاتّجاه من الإنسان، والزمن، والحضارة؛ وذلك بصورة تكفل للإنسان العربي، وللمجتمعات العربية، المشاركة في بناء الحضارة. هذا، وللإصلاح أبعاد عديدة؛ منها، البعد المستقبلي للإصلاح التربوي، والتخطيط العلمي المتكامل لجوانب الحياة التربوية في الوطن العربي، إذ لا يمكن للتربية أن تمارس وظيفتها إلاّ إذا ارتبطت بالواقع الميداني. لذا يتعيّن هدم الحواجز التي تقوم بين المدرسة والتعليم والحياة من منطلق أنّ المدرسة هي للحياة، وليس حياة للمدرسة منفصلة عن الواقع وتجلياته. فمن الخطر أن تتحوّل المدرسة إلى فضاء يعيش فيه الأطفال على إكراه منهم.

المسيرة التربوية

بين بداية سبعينيات القرن الماضي وبداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، أحرزت المسيرة التربوية تقدما كميا مشهودا في مجالات التعليم وميادينه كافة، هذا ما يؤكده الدكتور د.فوزي أيوب في ملخص بحثه المطول، و يشير إلى أنه في السبعينيات كان الهاجس الكمي هو السائد وتمثل في توسيع نطاق مقاعد الدراسة أو الفرص الدراسية في التعليم العام وفي الجامعات والمعاهد، وفي المرحلة المستمرة يتواصل النمو الكمي للتعليم العام العربي (أساسي وثانوي) بوتيرة عالية إجمالا من دون أن تخطو الأبعاد النوعية في هذا التعليم خطوات كبيرة تؤدي إلى تبديل صورة النظام التربوي العربي بعد 40 سنة مضت. فلم يحقق الطلاب العرب في التعليم العام تفوقا في مستوى تحصيلهم الدراسي في العلوم والرياضيات مقارنة بطلاب كوريا الجنوبية على سبيل المثال في اختبار (TIMMS) العالمي للعلوم والرياضيات وجاءت مراتبهم في أسفل القائمة، ولو بدرجات مختلفة بين دولة وأخرى. وفي مرحلة الروضة التي تشكل المرحلة الأولى من مراحل التعليم الأساسي (أو العام) لم تحدث قفزة في دخول الأطفال العرب إلى مدارس الروضات إلا في دولتين أو ثلاث.

وفي التعليم المهني والتقني لم نصل بعد إلى اليوم الذي تصبح فيه قوة العمل العربية مؤهلة بصورة جيدة. أما في التعليم الجامعي، الذي توسع من حوالي 23 جامعة في بداية السبعينيات إلى حوالي 400 جامعة اليوم، فلم يصل مستوى التعليم العالي العربي إلى مستوى العالمية بعد ولم تدخل الجامعات العربية قائمة الجامعات الخمسمائة الأفضل في العالم إلا مرة واحدة أو مرتين، ولا يزال الإنتاج البحثي العربي كله أقل مما تنتجه دولة واحدة مثل تركيا أو إسرائيل أو إيران.

واختتم أيوب بالتأكيد على أن أي تحول تربوي عربي حقيقي وشامل لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تحولات سياسية عربية كبيرة تحدث طوعا أو عبر ربيع عربي ناجح. فالتربية «شيء» تابع للسياسة رغم أن التربية تعود فتؤثر في الجمهور الحامل للمواقف السياسية، ولا يمكن أن تتغير بنية النظام التربوي ونوعيته قبل أن تتغير بنية النظام السياسي العربي أولا لأن القيادة التربوية المجددة تنبثق عادة من قيادة سياسية مجددة.

Happy Wheels