الجلسة الثالثة .. المسرح الكوميدي في الامارات والبحرين

15 ديسمبر, 2013

ندوة "الكوميديا والمسرح" تواصل أعمالها لليوم الثاني بعرض تجارب المسرح الكوميدي في الخليج 

واصلت ندوة "الكوميديا والمسرح" أعمالها لليوم الثاني على التوالي، فبعدما ناقشت في يومها الأول تاريخ الكوميديا المسرحية وأنواعها ومدارسها، وتجربة المسرح الكوميدي في الكويت، ناقشت الندوة في يومها  تجربة المسرح الكوميدي في البحرين والامارات في جلسة صباحية شارك فيها من البحرين مل من:  يوسف الحمدان وزهراء منصور، ومن الامارات عمر غباش، وأدار الجلسة د.فيصل القحطاني.

البداية كانت مع الباحث يوسف حمدان الذي قرأ على الندوة ورقته البحثية التي جاءت بعنوان " المسرح البحريني في غياب المشروع الكوميدي" وحاول من خلالها تشخيص الحالة الكوميدية في المسرح البحريني، وطرح بعض الأسئلة التي يحاول الاجابة عليها من خلال ورقته البحثية : هل يوجد مشروع مسرحي كوميدي في المسرح البحريني؟ وإذا كانت هناك نواة لهذا المشروع، فلماذا لم تتشكل لتصبح مشروعا مسرحيا كوميديا، له فضاؤه الفني المتناغم بدءا من ناسج العرض وانتهاء بالمتفرج؟ ثم هل يجدر بنا أن نعتبر الكوميديا في حالتنا المسرحية في البحرين بشكل عام، نوعا فنيا موازيا للأنواع الأخرى في حراكنا المسرحي حتى يستحق أن يكون مشروعا مسرحيا جديرا بالاهتمام؟ أم نوعا طارئا وآنيا يطفر بين الحين والآخر ليسجل حضورا اعترافيا فحسب ومن ثم يتلاشى وكأنه لم يحضر في ذاكرة المسرح؟

يقول حمدان :على الرغم من كم الأعمال المسرحية الكوميدية التي قدمها المسرح البحريني، بدءا من السبعينيات وحتى يومنا هذا، إلا أنها لم تتمكن من أن تحظى بحيز تراكمي يدفع القارئ للتجربة برصد تحولاتها وتطوراتها وأنواع رؤاها ومقترحاتها الفنية والفكرية على المسرح والمتفرج معا، باستثناء تجربتين جديرتين بالوقوف والاهتمام، تتمثلان في التجربة النصية في الكوميديا للكاتب المسرحي عقيل سوار والكاتب والروائي والسيناريست أمين صالح، وإن حظيت الأولى بفسح أكبر في حيز العرض المسرحي، ذلك أنها وقفت على النموذج الشعبي في المجتمع البحريني، والواقع المجتمعي البحريني التقليدي بشتى مفارقاته ونماذجه الشعبية التي تقود لعبة الكوميديا الشعبية البسيطة والمألوفة في هذا الواقع.

إذن الكوميديا تحتمل النص والعرض في آن، ولكن ما نحتاجه هو المسرح الموازي الذي يتبنى هذه الكوميديا في مشروعه، فإذا وجد هذا المسرح وجد معه الاتجاه الذي يتبناه هذا المسرح أو هذه الفرقة، إذ الكوميديا ليست صنفا واحدا، بل هي اتجاهات متعددة، بعضها يتبنى الكلمة، وبعضها الموقف بالكلمة أو دونها، وبعضها يتشكل من خلال الكيروغرافيا، وبعضها من خلال الومضة أو الخط الكاريكاتيري.

المشكلة الأكبر

المشكلة الأكبر، أن من يتبنى مشروع الكوميديا في مسرحنا الآن هو المنتج التجاري الذي يعتاش على آلام البشر ويسطح طموحاتهم وأحلامهم، بتسذيجه للقضايا الاجتماعية والسياسية عبر الضحك على من يؤدي الدور، وليس عبر الضحك على أنفسنا كمتفرجين أدركنا المهمة الإنسانية السامية التي يضطلع بها هذا المؤدي في مختلف أدواره الكوميدية.

فالكوميديا ليست أسهل أشكال وأنواع المسرح، كما يستبسط مثل هذا النوع من المنتجين ذلك، إنها فن في  غاية الصعوبة، فن يبدو الجاد المتجهم فيه خلاف حاله إذا ما أدركنا المفارقة الساخرة التي ينطوي عليها هذا الجاد، فن يبدو المضحك فيه على درجة من الجدية إذا ما تأملنا خطابه جيدا.

الكوميديا ليست كل ما يقال في الشارع وينقل إلى المسرح، وليست الخروج على النص والارتجال المجاني كما قد يعتقد البعض، ومنهم فنانون للأسف.

الكوميديا تحتاج إلى فنان بارع في تقديم الموقف الذي يتبناه أو يتصدى له، تحتاج إلى ممثل ذي ثقافة وسعة إطلاع، تحتاج إلى من يتبناها بوصفها مشروعا مسرحيا فرقيا أو مؤسسيا، ينطلق من رؤية عميقة في المسرح والحياة. فهل يتحقق ذلك في المستقبل القريب، أم أننا سنظل كالعادة مثاليين فيما نتمنى تحققه وإن كان ممكنا؟!

التمثيل الفكاهي

وتحت عنوان " التمثيل الفكاهي وصنع الكوميديا في المسرح البحريني" قدمت الباحثة زهراء المنصورة رؤيتها عن المسرح الكوميدي في البحرين، وقالت في مقدمة ورقتها: عندما نتحدث عن المسرح بالبحرين لا بد من ذكر التعليم النظامي الذي بدأ في العام 1919 في مدرسة الهداية الخليفية أول مدرسة نظامية في البحرين وأنشئت في المحرق، وفي أروقة المباني المدرسية عرف النشاط المسرحي الذي كان يقدم كنشاط مواز للتعليم ومكمل له، فبعد ست سنوات من بدء التعليم النظامي اختمرت فكرة اعتلاء الخشبة وتأسيس مسرح على يد البحرينيين والكادر التعليمي من الدول العربية الشقيقة التي تعرض أعضاؤها لتجارب مسرحية أكثر بحكم انفتاح دولهم على الثقافات الأخرى، وفي الخليج بدأت من البحرين الكثير مما يمكن اعتباره إنجازا على مستوى المنطقة من حيث كانت الأسبقية، حالت الأسباب دون أن يكون هناك إنجاز فعلي يتناسب والبدايات المسبوقة.

وتقول منصور: عندما نقارن هذا بالأعمال الكوميدية التي عرضت منذ صار للمسرح الكوميدي شكل محدد تصنف فيه الأعمال الكوميدية، نجد أنفسنا أمام إشكاليات رئيسية مثل: كيف نصنف أن هذا العمل كوميدي؟ هل بناء على توصيف القائمين عليه بأنه كذلك؟ أم على الإقبال الجماهيري على العروض الكوميدية الذي يحكم عدد العروض؟ وكيف نحكم آلية التذوق لدى المتلقين؟ هل سيكون بمقاييس النقاد والمختصين أم عبر استجابة الجمهور لحضور المسرحية شكل يجعل العرض يشتغل لأيام وربما شهور؟ كل هذه التساؤلات هي مفاتيح لأسئلة أخرى وتأويلات تقودنا إلى نتائج مغايرة بالتصنيف، وكل منها تقود إلى دراسة مختلفة.

الجرأة والكوميديا

وتختتم منصور ورقتها البحثية بمكاشفة حول مسرح البحرين، إذ ترى من الجرأة القول إن المسرح الكوميدي في البحرين مزدهر طبقا لمعايير الالتزام بالشكل الفني المعني بالشكل والمضمون أو حتى لمعايير العرض والطلب، فكلا الخيارين يحمل الكثير من الإشكاليات التي يرجع أسبابها إلى خلط مفهوم الكوميديا والضحك ليس من الهواة ومحبي المسرح وحسب، بل من المتخصصين المؤمل منهم تغيير الشكل الذهني الحالي للمسرح الكوميدي في طرائق الاشتغال والعناية باختيار النص المناسب، وإن بدا ذلك هينا في الظاهر لمفهوم النصوص الفضفاضة والمغرية بالتنفيذ من غير آلية، واعتمادا على طاقة الممثل أو قدرته على الارتجال وتلبس الكاركترات، ولا استنقاص في الرجوع إلى الأعمال العربية والخليجية الناجحة والتي نأخذها اليوم كنماذج تدرس لطلاب الفنون المسرحية، بل من المفيد إعادة ترشيحها وبيان أهميتها في الشكل الكوميدي غير المرتبط بالضرورة مع الضحك، والعمل على المسائل الأخرى التي ترجع للمسرح صورته النقية، ومع الاعتراف بقيمة الأعمال الكوميدية التي تلامس هموم الناس بالشكل المباشر، وتأثيرها وبقاءها بالذاكرة، لكن لا بد من ضرورة فصل الهزل والرخص/ عروض الحواترات البذيئة، وتحجيمها بالاشتغال على تقديم الكوميديا بشكلها الصحيح للجمهور في إطار ملائم موجه، فيكون المتلقي قادرا على تقييم العمل والارتقاء بذائقته.

مسرح الامارارت

البحث الثالث في الجلسة الأولى قدمه المسرحي الاماراتي عمر غباش، وحمل عنوان "مسرح الامارات بين الجد والهزل" ويقول في مقدمه بحثه: لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نقدم للمسرح الكوميدي في الإمارات بعيدا عن المسرح الجاد، كما لا يمكن أن نستعرض المسرح في الإمارات من دون أن نعرج على مسرح الخليج والمسرح العربي وتأثير كل منهم على الآخر. ويؤكد هذا أن المسرح كجزء من الناتج الإنساني لأبناء الوطن العربي لا ينفك عن كونه جزءا من مكونات عديدة في المجتمع العربي تؤثر وتتأثر بعضها بعضا. كما أن ما يحدث في الوطن العربي من متغيرات لا يمكن أن يسير على مسار متفرد عما يجري حول العالم من تطور وشد وجذب في جميع مناحي الحياة. والمسرح في الإمارات كان منذ بدء مسيرته في العام 1948، بمسرحية عنترة التي قدمت في ساحة المدرسة الأحمدية بدبي وبحضور حاكم دبي آنذاك الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم، جد الحاكم الحالي الشيخ محمد بن راشد بن سعيد آل مكتوم، مرتبطا بأحداث وتداعيات المنطقة.

بدايات المسرح الكوميدي

وفي اطار تأريخيه لمسيرة الحركة المسرحية في الامارارت وبالأخص المسرح الكوميدي، يقول غباش: بعد مرحلة الرواد الأوائل وبعد انتهاء الاحتلال أو ما كان يسمى بالانتداب البريطاني في الإمارات العربية المتحدة 1969 وقيام دولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر من العام 1971. تشكلت أول فرقة مسرحية مشهرة رسميا في الدولة من خلال وزارة الشباب والرياضة وهي المسرح القومي للشباب في دبي والتي باتت تسمى الآن بمسرح الشباب للفنون. وانضم إلى هذه الفرقة العديد من رواد المسرح والموسيقى والفنون التشكيلية مثل عبيد بن صندل وظاعن جمعة وعبدالله المطوع وموزة المزروعي في جانب المسرح وعيد الفرج في الموسيقى وحسن الشريف في الفنون التشكيلية.

وبدأت هذه الفرقة المسرحية نشاطها في 1972 بتقديم أوبريت «حكيم الزمان» وحضره الشيخ زايد وجميع حكام الإمارات وتم تصوير ذلك وبثه على تلفزيون دبي الأبيض والأسود. وقدمت هذه الفرقة مسرحيات اجتماعية وكوميدية بالإضافة إلى الأوبريتات الاستعراضية التي ترسخ الشعور الوطني والقومي.

وتابع: في الفترة نفسها من تأسيس الدولة دعا المسرحي المصري المخضرم زكي طليمات للمساهمة في تأسيس الحركة المسرحية في الدولة، إلا أنه جاء لفترة وجيزة لا تتجاوز الأربعة أشهر وقدم دراسة ميدانية لوضع الحركة المسرحية في السنة الثانية من قيام الاتحاد ثم غادر دون عودة للأسف. بعدها جاء مسرحيون خليجيون وعرب وعلى رأسهم صقر الرشود من الكويت وإبراهيم جلال من العراق وعملا لفترة محدودة، صقر في وزارة الثقافة وإبراهيم في وزارة التربية وساهما في ترسيخ بعض الأسس الأكاديمية إلا أنهما لم يستمرا طويلا بسبب الحادث الأليم الذي تعرض له المرحوم صقر رشود وعودة إبراهيم جلال إلى العراق.

ويختتم غباش ورقته البحثية بالتأكيد على أن المسرح في الإمارات منذ بداياته وحتى الآن يتميز بالالتزام بالمسرح الجاد الذي تتخلله مواقف كوميدية في جلها تكون مسقطة على الواقع. سواء كان هذا الواقع المقصود في العرض المسرحي سياسيا أو اجتماعيا.

 

المداخلات

شهدت الجلسة العديد من المداخلات بدأها سامي جمعان الذي تطرق إلى المدارس الكوميدية التي أغفلها بحث يوسف حمدان كتجربة الفنان القطري غانم السليطي.

وقال د.حسن منيع أنه قد تم تكريس ما يسمي بالفصل بين الكوميديا والتراجيديا واعتبر هذا موقفا معاديا لأشكال المسرح الأخرى وتساءل هل توجد الكوميديا في نطاق الممارسة المسرحية العربية؟.

من جهته رأى علي العليان أنه كان يجب التطرق إلى تجربة غانم السليطي في المسرح الهادف ورأى أن هناك تناقض بين ورقة زهراء منصور ويوسف حمدان.

بدوره قال موسى زينل أن الأوراق التي قدمت غلب عليها الجانب التأريخي وهذا مشروع لكن الأمر خرج عن الموضوع الأساسي للندوة.

وقال د.أحمد صقر أن يوسف حمدان ارتكز في ورقته على المسرح الكوميدي البحريني لكنه لم يركز على النقاط الأهم حول هذا الأمر ، ووجه تصحيحا لزهراء منصور وهي أن العمل الكوميدي أعم وأشمل.

د.نادر القنة قال أن النقد الذاتي تجربة جميلة فيما خص المسرح البحريني لكنه تمنى لو تم طرح مسببات غياب هذا المشروع ،ولفت أن علينا أن نفرق بين التعريف ووجهات النظر.

وفي تعقيب سريع قال محمد العسعوسي أن غياب لاعب رئيسي في الكوميديا وهو دور السلطة وهل أسهمت في انتعاش هذه الكوميديا أو غيابها أمر كان يجب الالتفات إليه.

 

Happy Wheels