الجلسة الاولى ناقشت الحضارة وقضية التقدم والتخلف

14 يناير, 2014

في الجلسة الافتتاحية التي تناولت المحور الأول للندوة "الحضارة وقضية التقدم والتخلف" وقدمها الباحثان د. مصطفى شريف المتخصص في الشؤون العربية من الجزائر، ود. الصادق بخيت الأمين العام لمنتدى الفكر العربي - الأردن، وأدار الجلسة د. محمود الرميحي.

وبسبب عارض صحي قرأ الكاتب الكويتي أ. خليل حيدر بحث د.مصطفى شريف الذي حمل عنوان "الحضارة ورهان التقدم والتخلف" ويقول في ملخصها: تغيّر العالم في مدى 40 سنة بشكل كبير، لكن العالم الإسلامي لم يستطع معرفة إعادة ابتكار حضارة يتلاقى فيها القديم بالجديد، على الرّغم من المكاسب والتطورات المحققة. ساد الاعتقاد بسقوط حائط برلين سنة 1989، بالتفوق النهائي للنموذج الغربي. ومن أجل التمكين لهيمنته، والتوجه نحو مسلك التزييف، تمت صياغة صورة المسلم وفبركتها على أساس تمثيلها وكونها صورة العدو الجديد، المعرض لما يسمى الحضارة الغربية المبنية على الديموقراطية، والعلمانية، والليبرالية الاقتصادية والمفاهيم الغربية للحداثة أو التقدم، برغم أن العالم العربي له المقومات لإبداء الرأي في الحداثة وفلسفتها.

وكانت لأحداث 11 سبتمبر 2011، والعمليات المتطرفة الوحشية أثرها البالغ في تغذية الدعاية المناهضة للمسلمين، مستغلة نقائصهم وتناقضاتهم، وتبين الأزمة الاقتصادية العالمية وسياسة الكيل بمكيالين والأزمة الأخلاقية والتباعد الموجود ما بين أقوال القوى الغربية الكبرى وأفعالهم.

الآن يشهد النظام العالمي الجديد انسدادا فظيعا وتراجعا في العدالة والحوار والتعايش على مستوى العلاقات الدولية. وفي المقابل يعاني العالم الإسلامي حالة من التردي ويعرف صعوبات عدة في الحفاظ على حضارته، وفي الخروج من أزمة التخلف العلمي، اليوم بالمفهوم الواسع والكامل يمكننا القول إنه لا توجد حضارة اليوم، لا شرقية ولا غربية، برغم الإنجازات التقنية والتقدم المادي الذي نشهده.

لا يعني التخلف التقني والمادي انعدام ثقافة وتراث الحضارة. المشكلة تكمن في نظرة الغرب الذي يريد فرض أيديولوجيته على الجميع، في حين أنها تعاني أزمة حادة. فمفهوم الديموقراطية يمكن أن نفهمه على أنه شيء آخر غير الصراع على السلطة وأساليب الإدارة، ولكن النهج الذي يضمن العمل الجماعي والسلام والمساواة والمسؤولية، من دون المرور بالضرورة من خلال الديموقراطية التي ترافق الليبرالية والعلمانية والرأسمالية. فالعالم العربي والإسلامي لديه الفرصة لتطوير وشرح رؤيته، لا يحول دون آليات ديموقراطية، ولكن يجب ألا نقلد تقليدا أعمى لهذا النظام الذي لا يضمن السعادة. جميع الاستبداد والطغيان والدكتاتورية الشمولية في حين هي كلها سلبية، من الممكن أن يكون للعالم العربي الإسلامي سياسة نبيلة وعادلة دون ديماجوجية ودون شعبوية. نحن في حاجة إلى فكر سياسي جديد مستنير، يتجاوز أطروحات الأصولية الدينية المتشددة الرافضة لكل تطور وانفتاح، إن الفكر الذي نتطلع إليه ينبغي أن يأخذ في الاعتبار الانسجام بين قيم الأصالة والتقدم، للإقلاع الحضاري والخروج من براثن التخلف.

من حيث المضمون، لا نمتلك الفهم نفسه إزاء التقدم والتخلف، مثل بقية مناطق العالم. لا نمتلك التصور ذاته للحضارة، مثل الغرب خصوصا، مع الثقافات المسيطرة اليوم، مبنية على الاستهلاك وتصرفات الفرد بلا قيود، لكننا نقاسم مع الشعوب أخرى قيما عالمية مشتركة، مبنية على بحث الوسطية والانسانية المسؤولة. يجب علينا أن نشرح معاييرنا الخاصة للتقدم والنمو بل وأكثر للحضارة. لأن رؤيتنا رؤية كاملة: إنها أخلاقية، وروحية، وزمنية، ودنيوية، ومادية ملخصة في العبارة دين ودنيا ونموذج الانسان الكامل للخط المحمدي.

ثمّ منظومات عديدة للحكم الراشد، ولمشاركة المجتمع متمسكا بأفكار الإجماع، وهي منتظرة لضمان التقدم المتوازن والمتماسك وللإجابة للاحتياجات الخاصة ذات البعد الحضاري الخصوصي والعالمي. خاصة أن الحضارة مبنية على ثلاثة أبعاد: أولا المعنى كغاية والعقل كمحرك والعدل كربط، يحتفظ العالم العربي الإسلامي على الأقل بالمعنى (حتى لو تستحق الاجتهاد والتجديد)، لكنه ضعيف في ممارسة العقل والعدل، تخلف العالم العربي في ميدان العدل كرابط بين المجتمع والدولة، وميدان العقل كمنتج للعلوم، هاتان النقيصتان يجب تصحيحهما وتفعيل مهمتهما، فالتبعية ليست الحل الأمثل، والأولوية تعطى إلى العلم والمعرفة، فبهما يمكننا أن نسهم في تجديد حضارة كونية مشتركة لكل الشعوب، فالمستقبل مرهون بقضية الحوار البناء بين الغرب والعالم الإسلامي

التقدم والتخلف

وفي الجزء الثاني من الجلسة استعرض الدكتور الصادق الفقيه، الأمين العام لمنتدى الفكر العربي ورقته البحثية حول "الحضارة وقضية التقدم والتخلف" مسلطا الضوء على ندوة السبعينيات ورؤية المشاركين فيها الثاقبة والمستشرفة لواقعنا الراهن، ثم طرح سؤالا عملاقا لفهم تراجعات الحاضر، التي قد تقودنا إلى مزيد من التخلف بدل التقدم، وقال: دعونا نفكر في منطق سؤال الحال الراهن، من دون أن نجهد أنفسنا الآن بمحاولة الإجابة عليه، لفهم مدى عنف الصدام والخصام الذي نشهده أمام ناظرينا، ولماذا منطلقات هذا السؤال الآن محورية، لو أردنا أن ننظر إلى ما أوصلنا إلى هذه اللحظة؛ من ينتقم مِمن في عالمنا العربي والإسلامي، ومن يتحالف مع من خارجه، للإجهاز على حاضره وحواضره العتيقة العتيدة؛ مِن انفصال جنوب السودان، مرورا بهلاك الصومال وأفغانستان، واضطراب حال دول الثورات العربية، إلى نَذير «الفوضى الخلاقة» في العراق، وحقيقة «التدمير الخلاق» في سورية؟!

وفي موضع آخر من ورقته يقول بخيت: إننا اليوم أمام مستوى متغير من الحراك التاريخي، تضيع مع سرعته معالم المراحل، ويتعذر على المتأني الوقوف للتأمل. إننا أمام زمنين يصطرعان حول أحقية البقاء؛ زمن هادئ بطيء تاريخي يجرجر ما تبقى من أيامه للرحيل الأبدي، وزمن متسارع كالوميض يحرق المراحل ولا يلوي على شيء يحتوي المكان ويلغي حدود المكان. ومع ذلك، فهما زمنان يعنيان بالنسبة إلينا أكثر من مجرد فترة استراحة نُحصي فيها كسب الماضي والمستقبل في مشهد تقاتلهما معا، وسعيهما إلى السيطرة على حصاد إنجازنا الحضاري.

 سؤال الاقتصاد

يرى بخيت إن سؤال الاقتصاد هو واحد من أهم الأسئلة، التي طرحت في ندوة 1974، وهو على بساطة طرحه إلا أنه من أعقد القضايا، والتي يمكن تخيلها في الوطن العربي، بل في العالم اليوم، لأنه بعض متعلق التخلف اقتصادي بالضرورة. كما أنه واحد من أكثر الأسئلة المشحونة سياسيا. وقد ظهر هذا جليا في الأعمال القيمة للمفكرين العرب الذين أسهموا في الندوة وأسهبوا في شرح وتوضيح الظاهرة، وأيضا من قبل الاقتصاديين والمؤرخين، وغيرهم من الباحثين، لشرح السبب في أن معظم دول أميركا الشمالية وأوروبا وبعض دول آسيا وأميركا اللاتينية، يجعلنا نكرر ذات السؤال الذي طرح عام 1974: لماذا تتقدم هذه الدول وأن بلادنا العربية ليست كذلك. وفي الاجابات مزاعم بأن الدول المتقدمة قد فازت في المباراة عن طريق التغول على مقدرات الدول المتخلفة، أو أن الدول المتخلفة ورثت ثقافات بطبيعتها في موقع أدنى في ترتيب السلم الحضاري، وهي التي منعتها من النهوض والتقدم.

وقد تبتعد الإجابة أكثر كلما كررنا السؤال: لماذا بعض الدول تزدهر، وتحسن حياة مواطنيها، وتفشل أخرى، وغالبا بشكل كارثي جدا؟

واختتم بخيت حديثه وورقته بالقول: ومما يؤسف له أن الشحذ الفكري المتميز لـ«ندوة التطور الحضاري في الوطن العربي» لم يقابله عمل مماثل من مؤسسات المعرفة العربية، مثل الجامعات والمعاهد والمراكز الفكرية والبحثية العربية، يحقق هذه الأفكار المبثوثة في طيات أدبيات الندوة في شكل دراسات وبرامج بحث معرفية علمية، ولم يحفز إنتاجا فكريا فرديا من المفكرين العرب يستوعب تحديات المرحلة، مثلما يحدث في مناطق أخرى من العالم، وفي الغرب خاصة، من حوارات مكثفة ومعمقة حول ذات القضايا والموضوعات والتحديات.

Happy Wheels