افتتاح ندوة " الكوميديا والمسرح" بحضور ومشاركة نخبة من المسرحيين الخليجين والعرب

14 ديسمبر, 2013

الجلسة الأولى: القنة بحث في نشأة الكوميديا.. أنواعها ومدارسها

 

بحضور ومشاركة عدد كبير من المسرحيين والأكاديمين الخليجيين والعرب، انطلقت صباح السبت أعمال الندوة الفكرية (الكوميديا والمسرح) والتي تستمر يومي السبت والأحد بفندق جي دبلو ماريوت في جلسات صباحية ومسائية، وتتناول تجارب المسرح الكوميدي في دول الخليج.

في الجلسة الافتتاحية الأولى التي أدارها د.فيصل القحطاني، قدم د. نادر القنة أستاذ الدراما وعلوم المسرح، ورقة بحثية مطولة تحت عنوان "جينالوجيا الكوميديا بين التركيب الأنثروبولوجي... والبارادوكس السياسي" مستعرضا نشأة الكوميديا وأنواعها ومدارسها، ويقول القنة في مقدمة ورقته: إن  الكوميديا نشأت - تاريخيا – كما نشأت التراجيديا في مدنية الدولة الأثينية الوثنية، وكان يحكمها في ذلك منطق فلسفي واحد يكشف عن علاقة الإنسان بالآخر وما يحيط به من قوى مركزية وهامشية فرضت عليه شكلا من الصراع الأزلي بين ديناميات الكائن والممكن، وبين الكائن وما يجب أن يكون... صراع غير استبدالي تحدده حتمية القدر الميتافيزيقي، بكل ضغوطه وقوانينه ومسلماته.

 

نشأة الكوميديا

وحول نشأة الكوميديا من الناحية التاريخية والأنثروبولوجية، يقول د. القنة: يعيد علماء الدراما النشأة التكوينية الجنينية لفن الكوميديا إلى المُركّب الدلالي من الناحية اللغوية والاصطلاحية للمفردة اليونانية Komedia، والتي ترتبط جذريا وفق أرسطو بمفردة Comos «وهي المأدبة الماجنة التي كانت تقام في نهاية احتفالات ديونيزوس كمحاكاة تهكمية لها، كما ذكر في المصدر نفسه أن هناك من يعيد الكلمة الى Kome'، وهو اسم قرية عرفت الطقوس الأولى التي أفرزت الكوميديا»

ومن الناحية التاريخية، هناك إشارات وشذرات تفيد بأن الشاعر الإغريقي باتيناس الذي ظهر في أواخر القرن السادس ق. م كان أول من أظهر شخصيات الساتير الساخرة التهكمية في التعبير والسلوك، في هذا النوع من المسرحيات، بعد أن اختفى ظهورهم تدريجيا في الجوقة التراجيدية... ووفق المصادر التاريخية للدراما الإغريقية، فإن المسرحية الساتيرية الوحيدة التي حفظها التاريخ هي «كيكلوبس» للشاعر يوربيدس.

 

كوميديا عصر النهضة

ويربط د. القنة في بحثة بين المسرح والحالة السياسية والاجتماعية التي واكبت تطوره ، ويتوقف عند بدايات فج المعرفة في اوروبا، ويقول: مع انحسار دور الكنيسة – نسبيا – في القرن السادس عشر، بدأ فجر معرفي وعلماني جديد يُبشر بنهضة علمية وفنية وفكرية أساسها إطلاق شعاع من الديموقراطية والنقد وحرية التعبير.. فبناء النهضة، والانطلاق نحو استكشاف المستقبل لا يستقيم دون ديموقراطية، ودون نقد علمي بناء، ودون ممارسة للحريات على أرض الواقع، فحينما تتوسع الديموقراطية، وتنتشر الحريات، ويصبح النقد العلمي الموضوعي مُباحا تتوسع حركة الثقافة والفكر، ويتجلى دور المسرح بأهدافه التنويرية، والأبيستمولوجية والإنسانية.

أمام هذا البريق من الأمل في ترسيخ واقع علماني نهضوي جديد، بدأ يتفتح عصر جديد من البنية الكوميدية، تجلت في بواكير انطلاقتها من الزاوية الأدبية المصاحبة لحركة إحياء عصر الكلاسيكيات ومحاكاة الملاهي الرومانية القديمة، والاستفادة من الخميرة الجينية الأولى لأساسيات الكوميديا الإغريقية بعناصرها الشعبية وأبعادها الفرجوية كفن يقوم على النقد، وكشف المستور والمسكوت عنه، ففي إيطاليا توسعت شعبية كوميديا ديللارتي/ كوميديا والفن، بوصفها كوميديا الطبقة الشعبية الوسطى، والطبقة الدنيا، فأقبل الناس عليها بشغف كبير، وتدريجيا بدأت تطرح مفهوما شعبويا جديدا لفن التلقي، وفن الكوميديا الهادفة بلا تعقيد.

 

الكوميديا وصراع الهويات المركزية

يقول د.القنة تحت هذا العنوان إن التسمية – هنا – لا تتوقف فقط عند حدود التمييز بين فرقتين متجاورتين في مساحة مكانية مشتركة; واحدة فرنسية والأخرى إيطالية. وإن كان ذلك مقبولا من الناحية الشكلانية... غير أن الأمر برمته يعود إلى ظاهر الصراع على تأكيد الهويات الثقافية المركزية في أوروبا، والذي بدأ يطل برأسه منذ مطلع عصر النهضة، حيث أخذ أشكالا مختلفة في السياسة والثقافة والفنون والحراك الاجتماعي، حتى إن كان نبراس ذلك كله النزعة الإنسانية التي ظهرت في الفلسفة والفنون والعلوم، ومن ثم بدأت تسود العصر كله انطلاقا من مركزيتها الفنية حول فلورنسا في إيطاليا.

 

الكوميديا.. والبارادوكس الأمريكي

وحول بدايات المسرح الكوميدي في الولايات المتحدة الأمريكية يقول د. القنة أنه بدأ يطل برأسه في الخريطة المسرحية في منتصف القرن التاسع عشر، وتماشيا مع الطبيعة الأنثروبولوجية للشعب الأمريكي؛ الذي يفضل الصخب والإثارة، والسرعة، وعدم التقيد بالقواعد الفنية، فقد انتشر هذا اللون في معظم المسارح الأمريكية وصار له جمهوره.. خاصة أنه راح ينتهج أسلوب النقد والهجاء السياسي للحياة الأمريكية والأوروبية، متسلحا بالنزوع نحو الديموقراطية، وحرية الفرد في التعبير والنقد السياسي والاجتماعي والأخلاقي.. فصار هذا اللون يوجه جام غضبه وتهكماته على المؤسسة السياسية ومظاهر الحياة الاجتماعية والثقافية في سائر الولايات.. فازداد جمهوره يوما بعد يوم، وعرضا بعد عرض، بل ونقدا بعد نقد وسخرية بعد سخرية ومع نهاية القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين، تبلور البورلسك الأمريكي بشكل تركيبي واضح، بعد أن أدخل عليه المسرحيون الأمريكيون وفق ثقافتهم الرأسمالية التي تنزع إلى تسليح الفن والثقافة بالكثير من عناصر الابهار البصري والفُرجوي، الذي يلعب على وتر الأحاسيس.

التوصيات

وخلص الباحث د. نادر القنة الى التوصيات التالية خاتمة بحثه:

1 – ضرورة التفكير بإقامة مهرجان مسرحي للعروض المسرحية الكوميدية.. تعزيزا لهوية هذا النوع من المسرح، وحتى نفرق بين المسرحيات الكوميدية الرصينة وما يقدم من ثقافة مسرحية استهلاكية تحت مظلة الكوميديا.

2 – أجدد الدعوة إلى ضرورة البدء في الإعداد لإنجاز موسوعة مسرحية علمية على غرار الموسوعات العلمية الأكاديمية العالمية التي تصدرها الدوائر النقدية المعترف بها مثل: موسوعة أكسفورد الصادرة عن جامعة أكسفورد، وموسوعة كامبريديج للدراما التي تصدرها جامعة كامبريدج.. بالإضافة إلى الموسوعتين الأمريكية والفرنسية.. فمثل هذه الموسوعات علاوة على أنها تشكل مرجعيات مهمة للباحثين والدارسين في علوم المسرح، فإنها تفك التشابكات الإشكالية الواقعة على بعض الاصطلاحات المسرحية، نتيجة ما حدث لها من التباسات مفاهيمية أثناء تطورها، وأثناء التطبيق عليها من إيكولوجية ثقافية إلى أخرى.

3 – أقترح أن يكون محور الدراسة في العام المقبل حول موضوع المسرح والتنمية.. فما أحوجنا إلى أن نكون شركاء وفاعلين في مشروع التنمية الوطنية الشاملة، وكذلك التنمية القومية الشاملة.

التعقيب والمداخلات

 

في تعقيبه على بحث الدكتور نادر القنه قال وزير الثقافة الأسبق في المملكة الاردنية الهاشميةصلاح جرار، إن البحث حمل عنوانا فضفاضا عاما، وجاء العنوان أكبر من جسد الدراسة، وتساءل: لماذا ركز الدكتور القنة على البارادوكس السياسي فقط في بحثه؟ كما تساءل عن غياب التجربة العربية في البحث موضوع النقاش، وقال أيضا إن البحث تناول الديمقراطية وعلاقتها بالكوميديا وتحث عن النتائج في العلاقة وليس في التفاصيل، وستغرب اصرار الدكتور القنة علىاستخدام المصطلحات الاجنبية وليس العربية، وفي مجمل البحث أشاد ضراج بالجهد الذي بذله الدكتور القنة والذي جاء في مجمله قيم وهام.

Happy Wheels