«أ‍مسية سردية نسائية.. سرد من الرواية»

29 نوفمبر, 2013

اقيم ضمن النشاط المصاحب لمعرض الكتاب ندوة أدبية بعنوان «أ‍مسية سردية نسائية.. سرد من الرواية» شاركت فيها ثلاث روائيات ينتمين إلى اتجاهات فكرية متباينة، وهن: بثينة العيسى وبشاير محمد وجنى فواز الحسن وأدارت الجلسة الكاتبة فاطمة يوسف العلي.

بداية، أشارت الروائية الكويتية بثينة العيسى إلى أنها ستعيد ترتيب فصول روايتها «كبرت ونسيت أن أنسى» في قراءتها، معتقدة أن هذا الشكل الجديد يبدو أكثر ملاءمة في هذه الأمسية، ثم قرأت جزءا من فصل «الصلاة» تميز بالتضرع والتوسل إلى الخالق بشأن التحلي بخطاب لغوي يعينها على فهم ما يدور حولها، وتقول في أحد المقاطع «آتني لغتي لكي أفهم بذاءة العالم».

ثم انتقلت إلى الفصل الثاني: «آكلة التفاح» وتخاطب بثينة مرآتها ضمن هذا الفصل وتقول: «مرآتي، يا مرآتي. من أشنع سيدة في البلاد كلها؟ أنتِ يا آكلة التفاح، أنتِ.. يا دودة الكتب السيئة. أنتِ.. لم أستيقظ.. لقد تم قذفي في اليقظة.. المرآة من أمامي والرعب في مسامي.. من أنا؟

لقد لفظني الحلم، ورغم أنه لم يكن حلما جميلا، إلا أنني كنت أفضل المضي فيه على مجابهة المكان. لوهلة تساءلت: ما هذا المكان؟ أين أنا؟ ثم انتبهتُ، أقصد تذكرت: إنه المكان الذي أختبئ فيه. أنا في الفندق. لقد هربت.. الساعة لم تتجاوز الثالثة والنصف فجرا.

ماذا سأفعل بي وأنا مستيقظة؟ طويت ركبتي وضممتها إلى بطني، احتضنتني. أنا كرة على شكل امرأة، قريبة إلى الكرة، وبعيدة عن المرأة. مثل تاء مربوطة في معصميها.

غطيت رأسي تحت اللحاف وأغمضت عيني: نامي يا فاطمة.

بدورها، قرأت الروائية اللبنانية جنى فواز الحسن مقطعا سرديا من روايتها «أنا، هي والأخريات» المنتمية إلى أدب التأمل والمراجعة لقيم المجتمع، متتبعة حكاية فتاة اسمها «سحر» تحاول اكتشاف ذاتها عبر أحداث مشوقة، لطالما وقفت على مسافة من حياتي وتركتها تحدث. لعبت دور المتفرج فيها، انفصلت، بشكل أو بآخر، عن الواقع، كأنه لا يعنيني، وكأن هذه الأنا التي تعيش فعلا: تقابلها «أنا» أخرى تراقب الأحداث وتسجلها. كنت في  حالة انتظار دائمة لذاتي التي كانت تهرب مني إلى البعيد، ثم تعود وتبدأ بسرد أحداث خيالية، وقصص أروع من التي تخبرها الجدات لأحفادهن، بعثت الأحلام دوما في نفسي المسرة، وعندما كنت ألتفت إلى ستائر المنزل العاجية اللون والفراغ الذي يملأ الغرفة، كنت أشعر بالخيبة.

أخفت أمي عني جميع آنية المنزل وقطع الكريستال المنحوت منها أشكال صغيرة، لأنها على يقين بأنني، على غفلة منها، سأفرش القماش على أرضية غرفتي، وأضع قصرا أو قلعة، وأرتب الأشياء ثم أبعثرها مرات عدة، حتى أصنع ذاك العالم الخيالي الذي أمضيت فيه ساعات طويلة مع أصدقاء وهميين يتحدثون ويتهامسون ويتشاجرون.

أما الروائية السعودية بشاير محمد فقرأت من رواية تحت الطبع تستعرض صراع الصدق والشعوذة ضمن مجتمعات يسيطر عليها الجهل والخرافة، ومن أجواء الرواية: «فيوم يأخذونها إلى المدافن لتستحم هناك.. فحسب عرف أهل القرية أن من تستحم هناك ترزق بالولد، ومرة أخرى تمشي خلف النساء الأرامل اللواتي أتممن فترة الحداد عندما تخرج الواحدة منهن للمرة الأولى خارج المنزل بعد نهاية عدتها، فتحمل في يدها حسب تقاليد قريتهم سبع بيضات وسبع خبزات وكلما مشت بعض الخطوات رمت للنساء اللواتي خلفها خبزة واحدة وبيضة.

هذه الخبزة والبيضة كما يعتقد الجميع هنا علاج ناجع للعقم، كانت هذه الفتاة إحدى المتلقفات لهذه الوصفة علّها ترزق بالولد.

يوم آخر في ذاكرة الألم.. يفزعنها النساء وهي عائدة من الحقل.. بعد التآمر عليها بكسر جرة من الماء فجأة في وجهها اعتقادا راسخا منهن بأن هذا الأمر يفك عنها عقدة العقم لتحمل.

حتى جاء ذلك اليوم المرتقب الذي أخبرت فيه الجميع أنها حامل فكل الدلائل تشير إلى هذا الأمر.

ثم فتح باب النقاش، ولفت الحضور محتوى الندوة وأساليب السرد لدى الروائيات، فأثاروا مجموعة استفسارات تمحورت حول المشهد الروائي الأنثوي عربيا.

بدورها، أثنت الأديبة ليلى محمد صالح على المشاركات في الأمسية معتبرة أن الرواية راهنا هي الأكثر انتشارا في المشهد الأدبي العربي، وفي السياق ذاته، امتدح الأديب إسماعيل فهد إسماعيل تجربة الروائية بشاير محمد، مشددا على أن مضمون قراءتها تميز بالتكثيف الممزوج بلغة شعرية تتغلغل إلى أعماق المرأة.

من جانبها، امتدحت الأديبة ليلى العثمان تجربة بثينة العيسى مؤكدة أنها تخطت حواجز كثيرة في عالم السرد، وتعول العثمان على العيسى الكثير وتصفها بأنها مستقبل الرواية في الكويت، كما امتدحت الكاتبة باسمة العنزي التي قدمت إصدارات تستحق الثناء والتقدير.

وبشأن تجربة الكاتبة بشاير محمد، أوضحت العثمان أنها تتابع المشهد الثقافي في السعودية وأن ثمة أصواتا حققت قفزات كبيرة في الأدب بينما هناك أسماء تكتب بحثا عن الإثارة، وتساءلت عن سبب تحول الشعراء إلى الكتابة الروائية.

وعقب ذلك، أجابت الروائيات على استفسارات الجمهور، وفي ردها عن سؤال لأحد الحضور قالت الروائية بثينة العيسى إن حبها للكتابة منذ الصغر دفعها إلى كتابة المذكرات في الثامنة من عمرها، فراقت لها فكرة التدوين ورأت فيها فقاعة تعصمها من العالم، ثم بدأت بتجربة أجناس أدبية أخرى متدرجة إلى عالم الرواية.

وأجابت الروائية اللبنانية جنى فواز الحسن على تساؤل للكاتبة بدرية مبارك موضحة أن الكتابة الروائية تعتمد على الهم المسيطر على الإنسان وليس انحيازا للمرأة أو لأي موضوع آخر، رافضة فكرة أن المرأة لا تكتب إلا لبنات جنسها، معتبرة أن النساء جزء من المنظومة الاجتماعية التي يجب ألا تخضع للتقسيم.

أما الروائية بشاير محمد فأوضحت أنها لا تحبذ التصنيف في الكتابة الإبداعية، لافتة إلى أن معشر البشر جلهم يشتركون في الهم الإنساني بغض النظر عن جنسهم، مبينة أن شهرزاد حينما بدأت البوح كان ذلك استجابة لشهوة الأنثى في الحكي وليس الثرثرة لأن السرد يعالج قضية ويوصل فكرة.

Happy Wheels