الجلسة السادسة: الدين والتطور الحضاري العربي

16 يناير, 2014

الباحثان د. سعد الدين هلالي د. علي الزميع  مدير الجلسة: د. يعقوب الكندري

شهدت الجلسة السادسة حول محور "الدين والتطور الحضاري العربي" ، والتي ناقشت بحثين مهمين الأول قدمه أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر د. سعد الدين هلالي، والثاني للوزير السابق أستاذ التاريخ السياسي د.علي الزميع، وأدار الجلسة د.يعقوب الكندري.

البداية كانت مع الدكتور هلالي الذي كان مختصرا ودقيقا في حديثه حول جماعات المتاجرة بالدين بشكل مباشر ربما أخذ عليه البعض هذا المنحى، لكن آخرون أكدوه وطالبوا برفع إشارة الاتهام  نحو من تعمد خلط الدين بالسياسية وإيهام الناس بأن أقوال وعبارات وهوامش ما انزل الله بها من سلطات بلغت مبلغ التقديس عند الناس.

وبعد استعراض بحثي مطوّل ومقارن بين رؤية الفقه الاسلامي للتطور الحضاري العربي بين عامي 1974 و2014 ، يعرض الدكتور هلالي مجموعة توصيات يرى فيها إمكانية حل أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي من منظور الدين، ويقصد به "الإسلام" لكونه محور الجدل العربي في العناصر العشرة التالية:

(1)  أن يحسن المسلمون الظن بعضهم في بعض، وعليهم التوقف عن تبادل التهم الدينية الموجهة في الحقيقة للقاعدة الشعبية في المسلمين، فلا يأمن أحدنا مكر الله فيه.

 (2)  الموضوعية في النقاش، وعدم شخصنة القضايا؛ لتنفير الناس من أشخاص معينين أو حشدهم لأشخاص معينين. وبتعبير آخر يجب عدم الاستقواء بالجماهير في المناقشات العلمية.

(3)  محو الأمية العلمية والارتقاء بالثقافة حتى تكون المنافسة في التفوق وليس مجرد النجاح في كل الفنون الإنسانية بما يجعل السيادة للجميع وينهي ولاية «أهل الحل والعقد».

(4)  عودة الفقهاء والعلماء وأهل الحل والعقد إلى وظيفتهم الحقيقية في بذل الخدمات الحياتية لعموم الناس فضلأ عن تقديم النصح والوعظ والتعليم والتنوير، وعليهم التخلي عما يعرف بولاية الفقيه.

(5)  تشجيع المجتهدين وأصحاب البحوث التجديدية في كل الفنون والعلوم الإنسانية.

(6)  إعادة دراسة مصادر التشريع الإسلامي بما يحقق مقاصده من فتح الآفاق التيسيرية وإظهار الجوانب الإنسانية الجامعة فيها.

(7)  إعادة دراسة حقوق الإنسان في الإسلام بما يحقق مقاصدها الإنسانية.

 (8)  جعل لغة الحوار بين المسلمين بالفقه (الاستنباط) وليس بالشرع (خطاب الشارع)، فالفقيه يتكلم بلسانه عن قلبه ولا يتكلم بلسان الشرع عن وحي. وما يترتب على ذلك من وجوب التخلي عن صفة «الإسلامية» للأشخاص أو نتاجهم الفقهي.

 (9)  فتح آفاق إعمارية في شتى مجالات الحياة لانصراف الناس إلى العمل وترك الجدل النظري؛ فخير مدرسة للتدريب على الأخذ بالأيسر في المعاملات هي الممارسة العملية والانخراط في مشاكل الحياة.

(10) إيجاد لغة تواصل إنسانية تخفف من العصبية العرقية والدينية، وتدفع الناس إلى التعارف وليس إلى التناكر. ومن ذلك إعلاء سيادة القانون الذي لا يتعارض مع العقائد والأديان المختلفة، وليس سيادة أحد الأقوال الفقهية دون الاتفاق على إدراجها في القانون؛ للقاعدة الفقهية أنه «لا إنكار في المختلف فيه».

 

لحظات فارقة

 

ومن جانبه يرى الدكتور علي الزميع تاريخ أن دور الدين في النهضة العربية قد تراجع في العقود الأخيرة على أصعدة كثيرة، فلم يكن هناك تحديثٌ دينيٌ فقهيٌ، ولا تحديثٌ اجتماعيٌ يفجر طاقات المجتمع ويوحد مكوناته، إذ اعتمدت التيارات الإسلامية الحركية على التغيير السياسي وحده من دون برنامج إصلاح سياسي متطور كما ذكرنا سابقا كمدخل للنهضة، لكن المدرسة التقليدية في الفكر الإسلامي قد فشلت تجاربها في تحقيق نهضة حقيقية، بل بالعكس مثلت عبئا على شعوبها، إذ اعتقدت أن بإمكانها حل مشكلات الحاضر بآليات استخدمت في الماضي السحيق، ولم تأخذ في حسبانها التغيرات المذهلة والجذرية التي طرأت على المجتمعات في الآونة الأخيرة.

ويرى الدكتور الزميع أن التركيز على المدخل السياسي وحده هو أمر من شأنه أن يُمثل إعاقة حقيقية وحجر عثرة أمام عملية النهضة، فمحاولة التغيير من أعلى، وفرض نظام سياسي معين على الأمة من دون أن يصحبه برنامج إصلاحي شامل يخاطب أحلام وتطلعات الجماهير ويخفف من معاناتهم الاقتصادية ويحشد قوى المجتمع بمختلف توجهاتها حوله، كل ذلك سيؤدي إلى نفور الناس من المشروع المطروح وتفرقهم من حوله.

وفي ختام ورقته المطولة يقدم الدكتور الزميع بعض التوصيات وبصفة عامة يرى أن هناك معادلة على الرغم من بساطتها فإنها ستظل حاكمة لأي عملية نهضة حقيقية يمكن أن تخرج من عباءة هذا الدين وهي كالتالي: دين + تحديث واجتهاد شرعي وسياسي= نهضة.

وفي المقابل أي رؤية دينية لا تنطلي على قدر من الاجتهاد والتحديث سيكون مآلها الجمود والتخلف، وبالتالي فقدان الناس الثقة في قدرة الدين ذاته على التجاوز بهم إلى واقع أفضل، إذ إن التركيز على الجانب السياسي بمضامين متخلفة لا تعبأ بالحريات والحقوق وقيم المواطنة هو أمر من شأنه أن يؤدي حتما إلى تأزم الموقف ومن ثم انهيار التجربة.

 

Happy Wheels