هذا الكتاب:
بدأ محمد علي تجربة تحديث مبكرة جعلت مصر من أقوى دول شرقي البحر المتوسط في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وهددت السلطنة العثمانية في عقر دارها. وفي حين أدى تكتل الدول الأوروبية ضدها إلى تراجعها حتى داخل حدودها، فإن سياسة التبذير، والقروض بفوائد فاحشة، وتسريح الجيش الوطني المصري، وإغلاق المصانع، حول التحديث إلى تغريب حقيقي في عهد خلفائه، فسقطت مصر تحت الاحتلال البريطاني. بالمقابل، بنت اليابان نهضة ناجحة في نهاية القرن التاسع عشر، حمتها من مخاطر الاحتلال الغربي، وحولتها إلى أقوى الدول الإمبريالية الآسيوية. وقد بدأ اليابانيون نهضتهم بتحديث جيشهم الوطني ومصانعهم ومؤسساتهم، واستخلصوا العبر من تجربة مصر فتلافوا كثرة القروض، ورفضوا المحاكم اﻟﻤﺨتلطة التي تنتقص من السيادة الوطنية.
لطالما تساءل الباحثون: "لماذا نجح اليابانيون في نهضتهم وفشل العرب؟». وتأخر الجواب عقودا طويلة، إذ لم تدرس التجربة اليابانية بعمق لاستخلاص الدروس منها. ويأتي هذا الكتاب في سياق محاولات بحثية للإجابة عن هذا التساؤل. فقد أبرز تشابه المقدمات بين تجربتي مصر واليابان، لكن نتائجهما كانت متباينة تماما. والكتاب ثمرة عشر سنوات من التوثيق الجيد، ودراسة عيانية لمظاهر التحديث في اﻟﻤﺠتمع الياباني عبر إقامة متقطعة للمؤلف في اليابان لأكثر من سنتين أستاذا زائرا في جامعاتها ومراكزها العلمية.