هذا الكتاب:
يصف الدكتور رشيد الخالدي، الأستاذ في جامعة كولمبيا، هذا الكتاب بأنه "يقدم صورة إدورد سعيد بكل أبعادها، ويكشف الزوايا العديدة لحياته وأعماله التي يجهلها أقرب المقربين له". ويقول إن تمثي برنن يعطينا فيه صورة رثائية مرهفة لشخصية من أبعد شخصيات القرن الماضي تأثيرا.
كان إدورد سعيد شخصية محبوبة يختلف الناس بشأنها، وكان رائدا لدراسات ما بعد الاستعمار، وناقدا أدبيا واسع الثقافة لا تزال كتبه، ولاسيما كتاب "الاستشراق"، تترك أثرا بليغا في الطلبة والمفكرين في هذه الأيام. كان تمثي برنن تلميذا من تلاميذ سعيد، وبقي صديقا له حتى وفاته في العام 2003، وهو يعطينا في هذا الكتاب أول سيرة كاملة للمشرف على أطروحته، ذلك المشرف الذي يتبين لنا من هذا الكتاب أنه كان مدافعا - برقة وبلاغة - عن التأثير الذي يتركه الأدب في السياسة والحياة المدنية.
يتتبع الكتاب المسار الفكري الذي اتخذه سعيد، ويستنتج أنه كان من المحطمين اللامعين للأصنام التقليدية: كان صاحب إستراتيجية مخادعة، مفكرا من مفكري نيويورك، وكان يتردد على بيروت، ويعمل على ترتيب الحفلات الموسيقية في فايمار، ويبرع في سرد الحكايات على شاشة التلفزيون القومية، ويفاوض من أجل فلسطين في وزارة الخارجية الأمريكية، ويمثل في أفلام يؤدي فيها دوره في حياته. وقد استقصى برنن التأثيرات العربية في فكر سعيد إلى جانب تتلمذه على يد بعض من رجال الدولة اللبنانيين. وكان حداثيا نسيج وحده، وواحدا من أدباء نيويورك، وباحثا غيرت كتاباته وجه الحياة الجامعية إلى الأبد. وقد تمكن سعيد، بما يتميز به من فكر ثاقب وسحر شخصي، من صياغة هذه المعارف بحيث غدت تراثا مغايرا من المذهب الإنساني على خلفية التفوق العلمي والتكنولوجي والحرب الدينية. وقد أعطى للعلوم الإنسانية، بوضوح ليس له مثيل، مكانة جديدة في عصر ريغن، وهي مكانة لاتزال تحتفظ بها إلى يومنا هذا.
استفاد برنن من شهادات حصل عليها من عائلة سعيد، ومن أصدقائه، وتلاميذه، وخصومه على حد سواء، كما استعان بسجلات مكتب التحقيقات الفيدرالي وبكتابات سعيد غير المنشورة، ومسودات رواياته، ورسائله الشخصية، وبذا، فإن هذا الكتاب يرسم من المجال الفكري الواسع لسعيد، ومن التأثير الذي خلفه، صورة ذات حميمية لا سابقة لها لصاحب واحد من أعظم العقول في القرن العشرين.