تغطية الجلسة الثالثة - ندوة صناعة ثقافة وهندسة الحوار مع الآخر

25 نوفمبر, 2013

البكاري: الهوية والذات والآخر.. من أجل حوار حقيقي وتعاون استراتيجي

غلوم:  صناعة ثقافة وهندسة الحوار مع الآخر

خضر: رؤية مستقبلة في مسرح توفيق الحكيم

صدار: المشروع الحضاري عند مالك بن نبي.. رؤية لاستشراف المستقبل الواعد

عبير: الحوار الطلابي البنّاء.. دعم للتواصل وتقبل الآخر وطريق لبناء المستقبل

حمامة: تأملات في منهجية الحوار التربوي مع الآخر في القرآن الكريم

تواصلت لليوم الثاني على التوالي أعمال ندوة صناعة ثقافة وهندسة حوار مع الآخر، حيث عقدت جلسة ثالثة صباح الاثنين بإدارة د.عبدالله ولد بابكر من مورويتانيا وناقشت ستة أوراق بحثية، وكانت البداية مع أستاذ الفلسفلة في جامعة نواكشوط د. البكاي ولد عبدالمالك، وقدم وورقة بحثية بعنوان " الهوية، الذات والآخر.. من أجل حوار حقيقي وتعاون استراتيجي"، وتطرح العلاقة مع الآخر في الوقت الراهن إشكالية عويصة في ظل اشتداد المشاكلة الميتافيزيقية للكوكب، وتعاظم النزعات الارتكاسية القائمة على رد الفعل والداعية إلى تعميق الغيرية الثقافية. وانقسم العالم لهذا السبب جغرافيا وذهنيا إلى معسكرين: المركزية العرقية والغيرية الثقافية الجذرية، وأصبح ردم الهوة بين ذينك العالمين أمرا بعيد المنال خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر واستتباعاتها.

وويقول عبدالمالك: في الواقع، فإن مسار «التدمير الخلاق» الذي يغذي ديناميكية اقتصاد السوق من جهة وردود الفعل المتعلقة بالهوية من جهة أخرى قد أديا إلى تقهقر الثقافة الأصلية المهيمنة في الدولة الوطنية، وما نجم عنه من تفكيك لعرى الجماعات وإعادة موضعتها ضمن فلك جديد يتنكر للتاريخ ولا يعترف بالجغرافيا، وكان من نتائج ذلك أن ولد مزيدا من الغل والعداء الناجم أيضا عن سوء توزيع الثروة على الصعيد العالمي.

وأكد إن التناقض أو الانفصام الذي تعاني منه الذات العربية المتأرجحة بين الثراء القديم والفراغ المأساوي هو الذي صرف العقل العربي لعقود طويلة من الزمن عن السؤال الصحيح الذي هو سؤال الحداثة إلى سؤال «صحيح – مزعوم» هو سؤال الهوية، فتحول السؤال «من نحن؟ وكيف ننقذ كينونتنا المنهكة من هاوية العدم؟» إلى سؤال آخر خلقته ودافعت عنه أيديولوجيا الانتكاس والارتكاس وهو «من هو عدونا»؟

واختتم عبدالمالك ورقته بسؤال: هل يمكن تجاوز حالة الانفصام التي تعانى منها الذات العربية المتأرجحة بين الثراء القديم والفراغ المأساوي؟ الذي يعكسه نمط حضورها في العالم في الوقت الراهن بإعادة التفكير في مفهوم الهوية والعلاقة مع الآخر؟ هل هناك ضرورة لتحديد موقعنا في تيار العولمة لكي نتفادى في الوقت ذاته «الوجود الأحادي» و«تأحيد الوجود»؟! بتعبير آخر: «من نحن؟» و«كيف نكون جزءا من العالم؟».

الحوار صناعة وهندسة

وقدم أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت د. يوسف غلوم بحثا حمل نفس عنوان الندوة "صناعة ثقافة وهندسة الحوار مع الآخر" ويقول في ملخصه: يعيش معظم المجتمعات البشرية في الوقت الحاضر حالة التعددية الإثنية بمفاهيمها وتعريفاتها المختلفة في المجتمع الواحد. ويرجع السبب في ذلك إلى وجود تلك الجماعات المختلفة منذ مئات السنوات في تلك الدول. وكذلك من الأسباب الرئيسية في وجود هذه الجماعات الهجرات التي قامت بها تلك الجماعات في الفترات المختلفة واستقرارها في بعض الدول، وبشكل ملاحظ في العصر الحديث، بسبب توافر المواصلات وتشجيع بعض الدول للهجرات لأسباب ديموغرافية أو اقتصادية, وحيث إن كل جماعة إثنية لها قيمها ومعاييرها وثقافتها الخاصة في التعامل  والتعايش والعلاقات مع بعضهم البعض ومع الآخر، لذا لا بد من ايجاد ثقافة مشتركة قادرة على استيعاب مكونات المجتمع المختلفة، وهذا يحتاج إلى إيجاد منهج جديد يقوم على الحوار لفهم الآخر وأسلوب التعامل معه لتقبله حتى لا يقع أبناء المجتمع الواحد في صراعات داخلية قد تصل إلى حروب أهلية بين الجماعات الإثنية المختلفة.

ويؤكد علوم إن صناعة ثقافة الحوار مع الآخر وسيلة علمية وعملية لفهم الشريك الآخر في المجتمع وتقبله والمشاركة معه في القضايا التي تهم المجتمع لإيجاد الحلول العملية لتطوير وتنمية المجتمع خارج إطار التعصب ضد الآخرين والعمل على إلغاء الشريك في المجتمع. لذلك، على الدول أن تقوم بشكل كبير في المساهمة في وضع ثقافة جديدة وتشجيع الناس للحوار مع الآخر وتبادل الأفكار ومناقشة القضايا المختلفة وتقبل الآخر عن طريق أجهزة الإعلام والمؤسسات التربوية بإيجاد مناهج تعليمية تشجع المواطنين على الاستماع للرأي الآخر وتقبله ومساهمة مؤسسات المجتمع المدني بذلك.

رؤى مستقبلية

وطرح د. غنام خضر أستاذ الأدب والنقد في جامعة تكريت رؤية مستقبلة، في مسرح توفيق الحكيم نموذجا، مؤكدا أن الفنون بصورة عامة، والأدب بصورة خاصة، لا تمثل محاكاة للماضي ولا هي صورة آنية (سكونية) للحاضر، ولا هي مجرد توهمات مستقبلية، بل هي كل ذلك. فالأدب صيرورة زمنية تتعامل مع الماضي والحاضر والمستقبل في بوتقة واحدة، لذلك تحول الزمن المستقبلي في الأدب (وهو زمن تخييلي) إلى رؤية مستقبلية استكشافية، ولعل هذا ما يربط بين الأدب والعلوم في توجهها نحو الآفاق المستقبلية والكشف عن الحجب الزمنية، مما يشكل ترابطا خفيا وواضحا بين الازمنة الثلاثة، فيجعل من الزمن واحدا يمر من الماضي الى المستقبل مرورا بالحاضر.

وتوفيق الحكيم أديب ومفكر في آن واحد، مما أعطى لأدبه ومسرحه عمقا وخصوبة، إذ انه لا يعالج القضايا الماضوية أو الآنية، بل يحاول جاهدا أن يستكشف صورة المجتمع في سنواته المقبلة، لاسيما في مسرحيتي «الطعام لكل فم» و«رحلة إلى الغد»، فالحكيم من الأدباء الذين لم يقف الأدب عندهم محاكيا للماضي، كما أنه لم يكن عندهم الأدب مرآة للحظة الآنية فقط، بل كان الأدب عندهم كاشفا ومحاكيا للمستقبل متنبئا بما فيه من خفايا ومفاجآت، ولهذا تميز فنهم بمحافظته على الاستمرار في زمن تراجعت فيه الكثير من النظريات والدراسات، إذ افتقرت إلى الرؤية المستقبلية، فرؤية المستقبل تعطينا جوانب إيجابية كثيرة.

المشروع الحضاري

وبحث د. نور الدين صدار أستاذ المناهج النقدية في جامعة معسكر بالجزائر، في المشروع الحضاري عند مالك بن نبي.. رؤية لاستشراف المستقبل الواعد، وقدم قراءة للفكر الحضاري كما تصوره المفكر العربي ملك بن نبي في مشروعه النهضوي، والكشف عن رؤيته لاستشراف مستقبل واعد للأمة العربية من خلال بسط فلسفته الحضارية والشروط التي اقترحها لتحقيق مشروعه. ومن هنا تطفو الأسئلة التالية التي تشكل إشكالية البحث وهاجسه.

وتساءل صدار: ما هو دور الدين في  رؤية المفكر مالك بن نبي في صناعة الحضارة  وفي تغيير واقع الأمة العربية الإسلامية في ضوء ثقافة التسامح والحوار مع الآخر؟  هل يمكن للإسلام أن يلعب دورا أساسيا في مشروع النهضة القومي العربي في ظل الفلسفة الحضارية والشروط التي حددها مالك بن نبي؟ وهل لا يزال منهج المفكر مالك بن نبي صالحا لإنجاز مشروعه الحضاري الواعد؟ ويتصدى صدار للإجابة على هذه التساؤلات في ورقته.

الحوار الطلابي البناء

وتحت عنوان " الحوار الطلابي البنّاء.. دعم للتواصل وتقبل الآخر وطريق لبناء المستقبل " قدمت الدكتورة عبير الدويلة أستاذ أصول التربية في جامعة الكويت، ورقة بحثية تناولت أسس الحوار الحوار باعتباره من أهم أسس الحياة الاجتماعية وضرورة من ضروراتها، فهو وسيلة الإنسان للتعبير عن حاجاته ورغباته وميوله وأحاسيسه ومواقفه ومشكلاته، وطريقه إلى تصريف شؤون حياته المختلفة، كما أن الحوار وسيلة الإنسان إلى تنمية أفكاره وتجاربه وتهيئتها للعطاء والإبداع والمشاركة في تحقيق حياة أفضل، والحوار البناء عنوان المرحلة وحاجة أساسية وأداة وطنية لصياغة مستقبل مشرق لأبنائنا، وترسيخ مفهوم الحوار وسلوكياته بين الطلاب، ليصبح أسلوبا للحياة ومنهجا للتعامل مع مختلف القضايا، وتوسيع مشاركة الطلاب في الحوار الوطني وتعزيز دورهم بما يحقق لهم العدالة والمساواة وحرية التعبير في إطار الشريعة الإسلامية.

وعليه، فإن مؤسسات التعليم العالي معنية بتعزيز ثقافة الحوار، ومساعدة الطلبة على ممارسة التفكير النقدي، مما يتطلب إسهام البرامج والمقررات الدراسية في تعزيز قيم الحوار البناء. ولعل معطيات العصر الجديد تتجه إلى تفعيل قيم المواطنة والانتماء والحوار، واحترام الرأي الآخر والتعاون معه، انسجاما مع ما يطرحه الدين الإسلامي من جهة، وما تسعى إليه التربية الحديثة من جهة ثانية.

الحوار في القرآن

تأملات في منهجية الحوار التربوي مع الآخر في القرآن الكريم، تحت هذا العنوان بحث د. جيلاني بوحمامة أستاذ التربية في جامعة الجزائر، ويقول في ملخص بحثه إن الحوار من أهم أدوات التواصل الفكري والثقافي والاجتماعي والاقتصادي التي تتطلبها الحياة في المجتمع . وقد ازدادت أهمية الحوار في العصر الراهن في ظل التغيرات السريعة والتعدد والتنوع الثقافي والحضاري وكثرة الاختلافات وتعدد وجهات النظر وتقاطع المصالح وتزايد الصراعات والحروب، ولذلك أصبح الحوار في عالمنا المعاصر ضرورة يتطلبها العصر على مستوى الأفراد والجماعات لدوره في إحداث القدرة على التواصل والتفاهم والتفاعل مع الآخرين، يحتل الحوار مكانة مميزة في القرآن الكريم لما له من من دور مؤثر في حياة الشعوب والمجتمعات. ونظرا إلى هذه الأهمية التي يوليها القرآن للحوار، فقد تناول كثير من التربويين موضوع الحوار وأهميته في حياة الأفراد والشعوب، من خلال دراسات علمية تربوية مستفيضة انصب الاهتمام في معظمها حول أسس الحوار ومصطلحاته المتعددة وآدابه وأساليبه وطرقه وخصائصه ومقوماته ومجالاته المختلفة.

وتهدف ورقة لوحمامة إلى معالجة بعد آخر من الحوار لم يحظ بالاهتمام المناسب، على الرغم من أهميته البالغة، والذي يتمثل في موضوع منهجية الحوار مع الآخر في القرآن الكريم . لذلك، جاءت هذه المحاولة لرصد وتحديد وإبراز مجموعة من القضايا المتعلقة بمنهجية الحوار من منظور القرآن الكريم، من خلال استقراء بعض النصوص القرآنية ذات الصلة بالموضوع، واستنباط بعض الأبعاد المنهجية التي يقوم عليها الحوار القرآني، لتكون قاعدة أساسية نعتمدها في تعاملاتنا الحوارية وعلاقاتنا بالآخر بصورة تتوافق مع ما تدعو إليه النفس البشرية التي فطرت على حب الآخر والاجتماع به، لأننا في حاجة إلى ذلك الآخر مثلما هو في حاجة إلينا، لتحقيق التعارف والتعايش والتفاهم تحقيقا لسنة الله في التدافع والتكاثر والتنامي.

Happy Wheels