الندوة الفكرية ناقشت في يومها الثاني واقع السينما في قطر وعمان

08 مايو, 2013

تواصل الندوة الفكرية للمهرجان السينمائي الخليجي لدول مجلس التعاون أعمالها لليوم الثاني والاخير، وفي الجلسة الثالثة للندوة تحدث كل من الباحث: د. خالد الزدجالي عن السينما في سلطنة عمان، وتحدث الباحث حافظ علي عن السينما في دولة قطر، وأدار الجلسة الأمير أباظة.

البداية كانت مع الباحث حافظ علي والذي قدم إطلالة حول تاريخ السينما في قطر، وفي مقدمته ورقته البحثية المطولة يتحدث علي عن دور العرض السينمائي في قطر وتطورها ويقول: اقتصرت دور العرض السينمائي في قطر منذ 1952 وحتى عام 1960 على أجهزة عرض 16م، وذلك من خلال العروض التي كانت تنظمها شركات البترول العاملة في الدولة مثل شركة شل في مناطق استخراج وتصدير البترول مثل دخان ومسيعيد وكانت تعرض أفلاما أجنبية مختلفة، وكانت الشركة تقيم الأمسيات لموظفيها في سينمات مكشوفة في الهواء مما أدى إلى إثارة الفضول لدى الأهالي ودفعهم إلى إقتناء أجهزة 16م وشراء الأفلام التي كانت تأتي من مصر ولبنان.

وفي العام 1976 تأسست شركة قطر للسينما وتوزيع الأفلام التي قامت بدورها بافتتاح داري عرض الخليج والدوحة اللتين كانتا تعتبران يومها من أضخم دور للعرض السينمائي في المنطقة ومن أحدثها تجهيزا بآلات العرض ونظام الصوت بالغ التقدم وضمت كل دار أقساما للعائلات بمداخل مستقلة تكفل الخصوصية واحتوت كل دار منها ألف مقعد وضمت مباني المجمع السينمائي الحديث وقسما للتوليف أو المونتاج ومخازن مجهزة شكلت مكتبة فيلمية ضخمة متعددة الأقسام وتخصصت سينما الدوحة في عرض الأفلام الهندية والآسيوية في حين تخصصت سينما الخليج في عرض الأفلام العربية والأمريكية والأوربية.

قرب نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي مع ظهور المجمعات التجارية والقنوات التلفزيونية التي تروج الأفلام شهدت السينما طفرة حقيقية حتى وصل عدد دور العرض في قطر إلى 30 دار عرض حديثة مجهزة تعرض أحدث الأفلام الأمريكية والعربية والخليجية أيضا ويرتادها المواطنون والوافدون، بل ويحرص مواطنو أكبر دولة خليجية وهي السعودية التي لم يصرح فيها بعد بافتتاح دور عرض على السفر إلى الإمارات والبحرين وقطر لمشاهدة الأفلام. وأصبحت المجمعات السينمائية عامل الجذب الأساسي في المولات والمجمعات التجارية ورجعت عادة ارتياد دور العرض ومشاهدة الأفلام لتتربع على كرسي برامج الترفيه العائلية.

 

الإنتاج السينمائي في قطر

وحول الانتاج السينمائي في قطر يقول حافظ علي: في بداية الخمسينيات قامت شركات النفط بتوثيق مشاهد الحياة في فترة ظهور النفط في دولة قطر، ومع أن الأرضية لم تكن مهيأة في تلك الفترة لايجاد مثل هذه الصناعة إلا أن المحاولات أظهرت مجموعة من الأفلام التي تركزت في منطقة دخان وبعض مناطق الدوحة. ومن أهم الأفلام التي انتجتها الشركات البريطانية:

1- حريق في قطر من إنتاج العام 1955 وهو توثيق لمحاولات إطفاء حريق في آبار النفط في منطقة دخان.

2- رحلة من الشرق من إنتاج عام 1956 وهو وثائقي عن رحلة أحد أبناء العاملين في شركات النفط الى قطر.

وفي العقد الأخير من القرن الماضي برزت محطات تلفزيونية كثيرة في دولة قطر وساهمت في إنتاج عدد من الأفلام الوثائقية في مختلف المجالات من أهمها قناة الجزيرة الوثائقية وقناة الجزيرة للأطفال. حيث قامت قناة الجزيرة للأطفال بإنتاج عدد من الأفلام الروائية والتسجيلية القصيرة بالتعاون مع عدد من المخرجين السينمائيين العرب منهم المخرج التونسي نوري بوزيد والمخرج الفلسطيني ازدور مسلم كما كان للمخرجين القطريين تجارب مهمة أبرزها فيلم «قرنقعوه» للمخرج حافظ علي علي العام 2008.

إضافة الى المؤسسات المختلفة ووزارة الثقافة والفنون والتراث, قامت اللجنة المنظمة لليوم الوطني بدولة قطر بإنتاج مجموعة من الأفلام الوثائقية العام 2010 و2011 التي ركزت على ترجمة المفاهيم والقيم المتعلقة بالهوية القطرية. ومن أبرز هذه التجارب السينمائية فيلما «أبناء البحر، وأبناء الصحراء».

 

الواقع والتحديات

يمكن القول إن هذا الجيل من السينمائيين والمهتمين بفن السينما وصناعة الأفلام هو جيل أفضل حظا بكثير من الأجيال السابقة خصوصا في قطر، هذا ما رآه حافظ علي في رصد واقع الحالة السينمائية في قطر ويؤكد أن هذا العدد الكبير من الأفلام والمحاولات الشبابية الأخيرة في صناعة أفلام وثائقية أو روائية قصيرة والمشاريع التي تتنامى بشكل مطرد ونشاهدها أو نقرأ عنها وعن عروضها في المهرجانات والمسابقات والمنتديات وعلى شاشات القنوات التلفزيونية ويرجع الفضل في ذلك بالطبع إلى تلك القفزات التقنية غير المسبوقة التي تحققت في مجالات، وعلى الرغم من دعم مؤسسة الدوحة للأفلام للشباب القطري من خلال منح الدورات والورش التدريبية على الصعيد المحلي لم تحقق المؤسسة الأهداف المرجوة بإنتاج أفلام روائية طويلة معدة للجماهير وذلك لعدم وجود منح تمويل للأفلام القطرية.

ويختتم حافظ علي ورقته البحثية بالاشارة إلى أن ما شهدته وما تشهده المنطقة من إنتاج سينمائي لا يشكل (صناعة للسينما) بالمفهوم العلمي للكلمة، ولكن نستطيع أن نقول إن المنطقة تشهد بالفعل خصوصا الآن ما يمكن أن يعتبر صناعة أفلام حيث وصل عدد الأفلام الطويلة والقصيرة الروائية التسجيلية المنتجة في المنطقة إلى قرابة آلاف الأفلام والفرق بين الحديث عن صناعة سينما وصناعة أفلام يرجع أساسا إلى أن صناعة السينما تعني في الأساس صناعة أفلام روائية طويلة معدة للعرض جماهيري على شاشات دور العرض، لكن يظل العنصر الأساسي المفتقد في هذه البنية هو شركات الإنتاج والتوزيع التي تمتلك الإرادة والدافع لدخول هذه المغامرة.

 

السينما في عمان

من جانبه تحدث الباحث الدكتور خالد الزدجالي عن السينما في سلطنة عمان، ويقول في ورقته البحثية: من الصعب تحديد التاريخ الفعلي لظهور السينما في عمان، وذلك لعدم وجود توثيق حقيقي من الجهات الرسمية أو النقاد عن حالة السينما منذ ظهورها وانتقالها إلى أركان العالم، من حيث العروض الأولى أو تصوير الأفلام واللقطات من قبل المخرجين الزائرين لعمان في الفترات الأولى للبلد أو الإنتاج والتصوير من قبل أبناء البلد داخل أو خارج السلطنة.

 

ويستطرد الزدجالي: بداية الحديث تتركز عند البدايات الأولى عندما قام عدد من الرحالة بزيارات استكشافية للمنطقة، من تلك الأفلام فيلم تسجيلي طويل مدته 90 دقيقة حصل عليه تلفزيون سلطنة عمان ومن دون شريط الصوت، وهو فيلم سُمي بعمان 1928، وهو الفيلم الذي سجل في مرافقة جلالة السلطان السيد تيمور بن فيصل آل سعيد في إحدى جولاته في ربوع البلاد وهي الجولات التي اعتاد حكام وسلاطين عمان القيام بها لتفقد أحوال الرعية والوقوف على المشاكل السياسية والاقتصادية التي يواجهها سكان المناطق والأقاليم العمانية.. وفيلم عمان 1928 ينقل صورة صادقة لتنقلات السلطان تيمور على ظهر الجمال والخيول والتقائه بالقبائل وحضوره مأدبات الغداء والعشاء مع رجال القبائل في أماكن مفتوحة، ويشمل الفيلم دخول أول سيارة في عمان يقوم بقيادتها السطان بنفسه.. ويسجل هذا الفيلم في النسخة التي حصل عليها التلفزيون بأنه من إنتاج الـ «بي بي سي» ولا يمكن التأكد مما إذا كانت الـ «بي بي سي» هي فعلا التي أنتجت الفيلم أم هي الجهة التي حصلت على حقوق الفيلم لاحقا وأرسلت نسخة إلى السلطنة، كحال أمهات الكتب التاريخية عن عمان التي اختفت واكتشفت أصولها في السبعينيات من القرن الماضي في المكتبات والمتاحف البريطانية.

اتسمت فترة الستينات بثراء التسجيل السينمائي الوثائقي، فحرب الإبادة التي صورت عشرات الآلاف من العمانيين الذين يقتلون في الثورة الانقلابية على الحكم العماني على زنجبار العام 1964 وهم مدنيون في زيهم العماني غير مسلحين يلجأون للبحر هربا من المسلحين الأفارقة والمستأجرين من محاربي مسايا الذين استعان بهم الثوريون لطرد الحكم العربي، وهم يطلقون الرصاص ويتساقط المئات تلو المئات من العمانيين من دون التمكن من الهرب، هذا الفيلم الذي صوره الفريق الإيطالي باستخدام طائرة عمودية، يبرز الأحداث واضحة وجلية بتفاصيلها المؤلمة.

وفي العام 1974 افتتح تلفزيون سلطنة عمان الذي سمي آنذاك تلفزيون عمان الملون كونه أول محطة تفتتح وبالألوان على بقية دول الخليج التي سبقت المحطة العمانية، ولكنها كانت بالأبيض والأسود، وذلك بالاستعانة بشركة سيمنز الألمانية التي أسست التلفزيون بطاقمه الكامل من الفنيين والمخرجين والمعامل السينمائية من طبع وتحميض ونسخ، ودربوا العمانيين داخل المحطة وكذلك ابتعث عدد منهم إلى ألمانيا للتدرب على المهن السينمائية المختلفة للقيام بمهامهم بعد انتهاء عقدهم.

 

بدايات العروض السينمائية

وحول بدايات العروض السينمائية في عمان يقول الزدجالي: في أواخر الستينيات بدأت تدخل في عمان وبطرق سرية وخاصة آلات العرض المنزلية 16 مللي، و8 مللي لأفلام شارلي شابلن وغيرها من الأفلام الصامتة، وكانت العروض تتم بطريقة سرية، إلا أنه سرعان ما جاء العام 1970 وكسر السلطان قابوس موانع الاستيراد والتصدير للمواد المختلفة. فقد انتشرت في مدينتي مسقط ومطرح آلات عرض وتصوير 8 مللي و16 مللي، فكان في كل حي تقريبا من مدينة مسقط أكثر من آلة للعرض حيث يجتمع الأطفال والكبار لمشاهدة الأفلام الأمريكية والأوروبية الأولى، ومن دون صوت. وأذكر أنه في الحي الذي كنت أسكن فيه كان منزلان أحدهما لأحد أقاربي يدعى خميس بن صومار الزدجالي والآخر لصديقي وزميلي في الدراسة يدعى جمعة المسافر، كانا يعرضان الأفلام مع أخذ رسوم للمشاهدة، وكانا يعرضان في صالة منزلهما وكان الإقبال شديدا إلى أن ظهر التلفزيون حيث كنا نستقبل البث الإيراني والباكستاني والهندي، وأخيرا دخل التلفزيون الإماراتي فقل الاهتمام بتلك الآلات.

وحول بدايات التطوير السينمائي الروائي يقول الزدجالي: عدد الذين ابتعثوا لدراسة السينما في القاهرة لا يتجاوز خمسة أشخاص، كان أولهم خميس بن أحمد المسافر، ثم منصور بن عبدالرسول الرئيسي، وهدى بنت حمزة العصفور، ومال الله بن درويش البلوشي، وخالد بن عبد الرحيم الزدجالي، هؤلاء درسوا في المعهد العالي للسينما، ويتميز فيهم خالد الزدجالي (1988) الذي صور فيلم تخرجه السينمائي على 16 مللي في سلطنة عمان ولقصة عمانية تاريخية مدة الفيلم 20 دقيقة تحت عنوان «وغابت الشمس». وسبب هذه التسمية أن بطلة الفيلم وهي الفنانة شمسة البلوشية كانت تعاني مرض الربو، وأثناء التصوير فوجئ الجميع بنوبة قوية ألمت به ولم يلحق المخرج أن يسعفها وبعد وصولها إلى المستشفى بنصف ساعة فارقت الحياة.

في عام 1992 صدر مرسوم سلطاني ينظم تأسيس جمعيات أهلية مهنية فكانت الجمعية العمانية للسينما مؤهلة للتقدم بأخذ الموافقة. فإذا بها تكون ثالث جمعية أهلية مهنية في السلطنة وأول جمعية ثقافية مشهرة في البلاد، وبذلك استمر مهرجان مسقط السنمائي في عطائه إلى اليوم.

وفي عام 2004 تأسس ملتقى الفيلم العماني والذي أسميناه في بدايته بمهرجان «أيام مجان» السينمائي وذلك عقب اشتراط الدولة دعم المهرجان شريطة أن تكون كل سنتين أسوة بالمهرجانات الثقافية الأخرى التي تدعمها الدولة، ففي عام 2006 كانت مسقط عاصمة للثقافة العربية فجاهد أعضاء الجمعية بالمشاركة في هذه المناسبة بإنتاج أول فيلم سينمائي روائي طويل كان ذلك «فيلم البوم» للمخرج والمؤلف خالد الزدجالي الذي أنتج في أواخر 2005م وكان أول عرض له في يناير 2006 في مهرجان مسقط السينمائي.

وظهر بعد ذلك الاهتمام بالفيلم القصير تأثرا بالمهرجانات المتتالية في دولة الإمارات العربية المتحدة، ودخل ملتقى الفيلم ليشجع هذا الفيلم وأنتج حتى الآن ما يقارب بـ 700 فيلم قصير من إنتاج هواة من الشباب وطلبة الجامعة، وأخيرا انتهى المخرج والمؤلف خالد الزدجالي بفيلمه الروائي الثاني «أصيل» الذي مازال يعرض في المهرجانات العربية والدولية حتى الآن.. ومشوار السينما في عمان جدير أن يتم المزيد من البحث فيه، إلا أنها مازالت في بداياتها وبسبب عدم اهتمام المؤسسات الرسمية لهذا الفن فنعتقد أن المشوار مازال طويلا لتأسيس سينما عمانية حقيقية تجارية.

المداخلات

في ختام الجلسة قامت المخرجة الإماراتية نجوم الغانم بطرح الأسئلة على كل من السينمائي الإماراتي صالح كرامة وعن معاناة الفيلم الطويل من قلة الدعم، وإن كانت هذه هي وجهة نظره فلماذا تم إقصاء الفيلم الطويل من مسابقة الإمارات منذ ثلاثة سنوات؟ ومن ثم توجهت بالسؤال إلى السينمائي القطري حافظ علي علي عن أيضاً التمويل الجزئي للأفلام الطويل ولو بنسبة 30% ، والحصول على الدعم ، وعدم المقدرة الحصول على ذلك من الدول الأروبية لعدم وجود الدول الخليجية ضمن معاهدة التعاون مع أوروبا.

وفيما تساءل خالد بن أحمد الحضري عن جهود السينمائيين العمانيين في توثيق وأرشفة الإنتاج السينمائي العماني؟ تساءل صالح كرامة عن أسباب ندرة الأفلام الطويلة في المهرجانات؟

 

Happy Wheels