مهرجانات وأنشطة

النشرة الثامنة والتاسعة


 «الوشاح السحري».. لعبة إخراجية للتشجيع على القراءة

كتب: شريف صالح

ضمن أنشطة مهرجان القرين المخصصة للطفل عرضت مسرحية الأطفال «الوشاح السحري» في المركز الثقافي الأمريكاني التابع لدار الآثار الإسلامية. العرض من تأليف وإخراج نصار النصار، ومن بطولة عثمان الصفي، بدر العطوان، نسرين سروري، وضحة الرومي، هاني الهزاع، سالم فاروق، شملان النصار، محمد الحداد، دعيج العطوان، عبدالرحمن الفهد، وماجد البلوشي.

تبدأ المسرحية بحوار صوتي بين «جد» و«حفيد» عن اندثار عادة القراءة وانشغال الجيل الجديد بوسائل الاتصال الحديثة على حساب الكتاب، والأمر أشبه بدردشة في معرض الكتاب. ومن هذه المقدمة الإطارية يظهر على خشبة المسرح «شملان الكسلان» وجسد دوره هاني النصار، حيث يجد نفسه فيما يشبه متحف الشمع.. شخصيات من ألف ليلة وليلة ومن التراث العربي.. جحا.. علاء الدين.. زمردة.. ياسمينا.. السندباد.. كلها في وضع الثبات والجمود. ويقيم حوارا هزليا من طرف واحد إلى أن تدب الحياة فيها فجأة ليجد نفسه بعدما استولى على «وشاح» إحدى الشخصيات.. متورطا في العالم القصصي والدرامي الذي تقدمه تلك الشخصيات.

ولأنه استولى على وشاح ليس من حقه يصبح مدانا وغير مسموح له بمغادرة هذا العالم. هذا هو الخط الأول للصراع، يشبه الإطار العام، ثم ينبثق عنه خط آخر يتعلق بالصراع بين تلك الشخصيات نفسها.. فهناك الزعيم «ساطور» وأعوانه ضد «الفارس الملثم» الذي يدافع عن الفقراء والمظلومين، وتدور شكوك «ساطور» حول كونه إما السندباد أو علاء الدين. ثم يدخل «شملان» أيضا ضمن دائرة الاتهام.

تقابل مفردة «الوشاح السحري» بدلالتها التراثية، مفردة «الموبايل» الذي يحتفظ به شملان كدلالة على وسائل الاتصال الحديثة والذي يثير خيال شخصيات المسرحية.. وعندما يكتشف «ساطور» أن «الفارس الملثم» هو نفسه الفتاة «ياسمينا» يفرض عقوبات شديدة على شخصيات العرض، ويطالب بأخذ «مصباح» علاء الدين و«حمار» جحا.. لكن «شملان» يتدخل ويساومه بترك هذه الشخصيات التي أحبها وتفاعل معها، مقابل منحه «الموبايل»! في تلك اللحظة يأتي الكشف الأخير عندما يخبره «ساطور» بأن هذه المسرحية مجرد لعبة لإقناع «شملان» الكسلان بأهمية القراءة وأن يحاول التعرف على تلك الشخصيات القصصية. ولا تبدو تلك اللعبة جديدة على نصار النصار التي جربها من قبل، لكنه يعيد تفكيكها هذه المرة بصورة أكثر بساطة لتناسب وعي الصغار، وطعمها بالموسيقى، والحركة الهزلية، والاستعانة بنماذج محببة لعالم الطفولة.

لكن من أهم الملاحظات على العرض فقر السينوغرافيا وخلوها من الإبهار، وقصر مدة العرض حيث ينتهي في حوالي نصف ساعة، وهو ما جاء على حساب البناء الدرامي وتطوير الشخصيات وإحكام الصراع.. كما عانى العرض من بعض الإفيهات الحركية واللفظية التي قد تستدعي مراجعة تربوية للنص. فالفكرة في حد ذاتها جيدة، وأداء الممثلين جيد، وهناك حركة، وموسيقى، لكننا كنا أقرب إلى جو «بروفة» أو مشروع لم يأخذ حقه وامتداده الطبيعي. وتكرر الملاحظة التي باتت أساسية في أعمال نصار، وهي أن انشغاله بالتأليف والإخراج، وأدوار أخرى أحيانا، لا يجعله يركز بما يكفي على دوره الأساسي كمخرج.

 

نخبة من الأدباء والمفكرين شاركوا في الندوة الفكرية لمهرجان القرين

المستقبل وصورة العربي في رواية الآخر

اليوحة: الثقافة العربية ثرية بما يربط بين أبنائها من المحيط إلى الخليج

الرواية هي موسوعة العصر الحديث المعبرة عن وعي الإنسان

كتب: عادل بدوي

أكد الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب المهندس علي اليوحة حرص الكويت على تنظيم الفعاليات التي تسلط الضوء على قضايا الأمة العربية والإسلامية وتراثها وحاضرها ومستقبلها، بما فيها قضايا الثقافة والفنون والآداب. وقال اليوحة، في كلمته خلال افتتاح الندوة الفكرية الرئيسية لمهرجان القرين الثقافي الـ21 «المستقبل وصورة العربي في رواية الآخر»، قال: إن ندوة هذا العام تفتح الباب واسعا على ثنائية «الذات والآخر» التي يرتبط كل طرف فيها بالآخر ارتباط تعريف ووجود.

 

وذكر اليوحة أن ندوة «المستقبل وصورة العربي في رواية الآخر» تعتبر نافذة على الآخر وعلى الذات في آن واحد، مشيرا الى اختيار موضوع السرد الروائي تحديدا لاقتناع المجلس بأن الرواية هي موسوعة العصر الحديث المعبرة عن وعي الإنسان خلال القرنين الأخيرين في بقاع الأرض المختلفة. وأضاف اليوحة أن دورة هذا العام من مهرجان القرين الثقافي متنوعة المصادر والأبحاث والتوجهات، ومن داخل الثقافة العربية وخارجها بهدف توسيع زاوية الرؤية لتغطي أكبر مساحة ممكنة من الروايات العربية والعالمية، وكشف تدرج صورة الآخر التي يبدأ تشكيلها داخل البلد الواحد. وسلط اليوحة الضوء على محاور الندوة وقال: إن الأبحاث تدور حول محاور مختلفة تتصل اتصالا مباشرا بموضوعها:

حيث يتناول المحور الأول صورة العربي في الرواية الغربية الكلاسيكية، وهي تشمل ما كتبه الروائيون والرحالة الغربيون في الفترة الاستعمارية، ثم في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وينصبُّ المحورُ على رواية الغرب المعاصر، وتتنوع أبحاثه تنوعا ثريا، لتشملَ رواياتٍ من الثقافات الغربية الأكثر بروزا وتأثيرا في ثقافاتنا. وستكون هناك أبحاث عن صورة العربي في الروايات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والأمريكية. وفي المحور الثالث سوف تلقي الأبحاث الضوء على ما سميناه «سرد الجوار» ومن خلاله سنطالع أبحاثا عن صورة العربي في الروايات: التركية والإيرانية.

إثراء الوعي العربي

أما المحور الرابع فسيكون عن صورة العربي الخليجي في روايات العرب من الخليجيين ومن غير الخليجيين، وهو محور يكشف عن الكيفية التي نتصور بها أنفسنا كعرب وكخليجيين، كما يكشف عن كثير من الأنماط الثابتة التي غالبا ما تبتعد عن الحقيقة، وعن حركة التاريخ في تحولاته المستمرة.

وسيتوقف المحور الأخير عند ملمح صريح من ملامح المستقبل الروائي في الكويت والوطن العربي، ويتمثل في ظاهرة روايات الشباب الذين ابتدعوا لأنفسهم قنوات خاصة لإيصال سرودهم الروائية، وهي ظاهرة يجب التوقف عندها بالتحليل والتقويم إذا لزم الأمر بوصفها تحركا إيجابيا من جيل شاب يحاول أن يجد لنفسه موطئ قدم في الثقافة العربية. وأعرب اليوحة عن أمله في أن تسهم الندوة في إثراء الوعي العربي بصورة علمية موضوعية ودقيقة وفي إجلاء تصوراتنا الثقافية عن أنفسنا وعن العالم من حولنا، بهدف البحث عن قواسم مشتركة على الرغم مما بيننا من اختلافات، مضيفا انه لا نجاح إلا بالحوار والنقاش الموضوعي، وهذا هو المقوّم الأول للثقافة والتطوير. واختتم اليوحة بالتأكيد على أن الثقافة العربية ثرية في تنوعها قوية بما يربط بين أبنائها من المحيط إلى الخليج، ونحن على ثقة بأن نجاح هذه الندوة سينعكس إيجابا بوصفه امتدادا لإسهامات الكويت في الثقافة العربية، كما نثق بأن النقاش في الجلسات بين إخواننا المشاركين والحاضرين من الكويت ومن بلدان الوطن العربي ومن دول صديقة، هو ضمان لنجاح الندوة وتعاظم نتائجها.

كلمة منسق الندوة

من جانبه قال منسق الندوة الدكتور محمد الرميحي إن موضوع الندوة هو لبنة أولى في طريق طويل لمعرفة الصور النمطية السلبية أو الايجابية بين الجماعات البشرية، في وقت نشهد فيه عاملين متناقضين: الاول تشبيك عالمي غير مسبوق، والثاني العودة الى الهُوية حتى حصار النفس، أمام هذه الثانية تلعب الرواية دورا في تشكيل الصورة عن الآخر. وتكوين رأي عام حول قضايا جوهرية، وقد قيل إن الشعر أُبوة، ومكانه القصور، والرواية أمومة تسير بين الناس في الطرقات، كناية عن انتشارها ودفئها وتأثيرها، وهو قول يبدو الى حد كبير صحيحا، ان نظرنا إلى الكم الضخم في الأعمال الروائية العالمية، أو العربية، أو التي تصدر حتى من مجتمع قريب من بداية التعليم نسبيا كبعض مجتمعات الخليج. وقال:

«كلما تقدمت وسائل الاتصال حرصت الجماعات الإنسانية على تميزها، وهنا تلعب الرواية دورا في التميز من جهة، والتعريف من جهة أخرى، معربا عن الأمل بأن تجرى حوارات الندوة بروح علمية عالية وانفتاح منهجي وأن يستفيد الجميع علميا بهذه الخطوة الصغيرة كمقدمة لدراسات أوسع في المستقبل، لافتا إلى أن دراسات وأبحاث هذه الندوة ومناقشاتها ستنشر بكتاب في المستقبل القريب. الموضوع الذي نجتمع حوله اليوم هو لبنة اولى في طريق طويل لمعرفة الصور النمطية السلبية (أو الايجابية) ان وجدت بين الجماعات البشرية، وهدفنا المعلن والمتواضع في هذه الحلقة النقاشية، هو العبور من «التشكيك الثقافي» الى «التشبيك الثقافي»، فكلما تقدمت وسائل الاتصال، حرصت الجماعات الانسانية على تميزها، وهنا تلعب الرواية دورا مميزا في التميز من جهة والتعريف من جهة اخرى. المشتغلون بالعلوم الاجتماعية، يرون ان الرواية بسبب تقنياتها تميل الى اظهار المُختلف والغريب والحاد في المجتمعات، فكيف يمكن ان نقرأها ونحن واعون الى ان التعميم مضاد للمعرفة! وقد يكون ذلك سؤالا مركزيا، قد يجرى حوله الحوار. وتابع: بين نقد الهُوية وتأكيدها، قد تأخذنا انزلاقات خطيرة في التعميم، تعميم الخاص، والمبالغة في فصل الثقافات، لذلك من أهداف هذه الخلوة الإشارة الى مخاطرة الفصل الكلي أو الوصل الكلي، من أجل تعديل التوازنات والاشارة الى الخلل والوعي بمشكلات العصر. واختتم الرميحي بالقول:

نحن اليوم لا نواجه نهاية العالم، كما يرغب البعض في التصور، ولكن نحن نواجه نهاية عالم قد خبرناه وألفناه، ومظاهر ذلك التغير شاخصة أمامنا، وهو للبعض تهديد للهُوية، وما هذه الظاهرة النارية التي نراها مشتعلة منذ اربع سنوات في محيطنا، إلا دليل على اننا امام عالم جديد، قد تضيء لنا بعض الاعمال الرواية دروبه، وقد تعتمها أعمال أخرى. ان ضيق مساحة الحوار قد يكون احد دوافع ازدهار الرواية العربية، كما ضيق التعبير الحر، يجعل من البعض يقول على لسان ابطاله ما لا يقدر ان ينسبه الى نفسه، كل ذلك جزء من موجة الاحتجاج والحيرة، وتدفق جيل كامل الى الرواية والتعبير عن مجتمعها ونفسها، إنها ظاهرة تستحق النقاش. من جهته أشاد الدكتور بوزيد لغلي، في كلمة ألقاها نيابة عن المشاركين في الندوة، بدعم الجهات الحكومية المعطاءة التي تشجع الثقافة وتنشر قيم السلام والتسامح في عالم يمور بالصراعات والنزاعات المتشددة، معربا عن الأمل بأن تفضي توصيات الندوة إلى مزيد من التواصل والتفاهم وقبول الآخر المختلف.

المحور الأول: صورة العربي لدى الرحالة الغربيين/ تاريخيا

عقب الافتتاح الرسمي بدأت أعمال الندوة بمناقشة المحور الأول والذي حمل عنوان «صورة العربي لدى الرحالة الغربيين تاريخيا»، وناقش المنتدون ثلاثة أبحاث تحت هذا المحور في الجلسة الأولى التي أدارها المنسق العام للندوة د. محمد الرميحي. البحث الأول كان للناقد الأدبي المصري د. صبري حافظ والذي عنون بحثه «تحولات صورة العربي في سرد الرحالة الغربي»، وأشار في مقدمته إلى مصطلح «الغرب» الذي ينطلق من الغرب الاوروبي الى الغرب الامريكي ويؤرخ نهضته الحقيقية بعد نهاية الحروب الصليبية. ويقول حافظ، في معرض بحثه: إن هناك نقطة تحول فارقة لا بد أن نضعها نصب أعيننا عندما نتحدث عن دور السرد في تكريس آليات الهيمنة الغربية على الآخر المغاير، وخاصة العربي المسلم، ألا وهي عام 1492، عام خروج آخر عربي من الأندلس. خاصة إذا ما تعلق الأمر بالثقافة الغربية المقصودة هنا، والتي تحظى بالتفوق والمركزية منذ صعود الغرب في تلك الدورة الحضارية التي بدأت في ذلك التاريخ الدامي والدال: 1492 تاريخ سقوط غرناطة وطرد العرب من الأندلس، أو بالأحرى الثقافة العربية والإسلامية كلها من الوجدان الغربي، باعتبارها منهج حياة، يعتمد على التسامح والتعايش بين الرؤى والثقافات. إذ يجب ألا ننسى، وقد تبدلت التواريخ وتغيرت التحالفات، أن اليهود قد طردوا أيضا منه معهم.

 

وأضاف: إن بدايات التعصب الديني والعرقي ومحاكم التفتيش بدأت هي الأخرى في هذا التاريخ وما تبعه من كشوف جغرافية وصراعات دموية مرعبة بين القوى الأوروبية الصاعدة وعصور استعمارية بغيضة تنهض على نهب الآخر وتدمير ثقافته وفرض ثقافة الأنا الأوروبية الصاعدة وأنماطها بدلا منها والتي لم تتوقف حتى اليوم، وإن اختلفت تجلياتها ومراحلها وأصبحت تستخدم القوى الناعمة أكثر من استخدامها القوة العدوانية. وتحدث حافظ عن طبيعة الحياة قبل سقوط الاندلس، حيث ساد نوع من التبادل الثقافي السلمي المفتوح في العالم لا في الأندلس وحدها والتي كانت خاضعة للرؤية العربية الإسلامية الحضارية للعالم، بما في ذلك احتضانها للديانات السماوية السابقة عليها، والاعتراف بها وبمعتنقيها وإفساح المجال لهم لممارسة عقائدهم وشعائرهم.

 

 عرب الصحراء

وبسبب تعذر حضور الناقد العراقي الدكتور عبدالله ابراهيم الذي قدم بحثا عنوانه «من التعرف الى التملّك.. تمثيل أحوال عرب الصحراء في رحلات الغربيين» قرأ البحث نيابة عنه الدكتور أيمن بكر، ويقول في محور موضوعه إن الصحراء العربية ومجتمعاتها بقيت مدة طويلة سرا غامضا بالنسبة الى الغربيين، وإن الغربيين سعوا إلى استكشاف العوالم خارج المجال الأوروبي في مطلع العصر الحديث، ونتج عن ذلك سيطرتهم على معظم أرجائها. مضيفا ان العديد من الرحالة الذين جابوا الصحراء العربية عمدوا الى انتحال الاسماء، فكثير منهم تكتم عن اسمه الحقيقي وتكنى بكنة عربية او تلقب بلقب عربي وأخفى معتقده الديني وادعى امتهان التجارة أو الطبابة أو القدوم لأداء فريضة الحج.

وذكر ابراهيم أن الصحراء وأهلها شكلت قطبا جاذبا لاهتمام معظم الرحالة فهي فضاء مفتوح مثير للفضول بمقدار ما هو مثير للتحدي لاستكناه هذا العالم الغريب وفك ألغازه. وبين ان الرحالة أسهبوا في وصف مشتاق الارتحال في صحارى منقطعة عن العالم، ومع أن كثيرا منهم ضاعوا في طيات الرمال ودنوا من هلاك شبه مؤكد، وخيم عليهم الإحباط واليأس والقنوط بل الاستسلام، لكنهم استعادوا كلّ ذلك بالسرد في تجربة مدهشة لا نظير لها في بلادهم. من جانبه قدم الدكتور سعيد يقطين بحثا بعنوان «الغريب والغريب الآخر.. سردية صورة العربي في الرواية الفرنسية»، عالج فيه الرواية المكتوبة بالفرنسية لصورة العربي من منظور سردي يتأسس على التحليل النصي بغية الإمساك بكيفية حضوره فيها باعتباره (الآخر) سرديا ودلاليا.

وحدد الصورة والآخر من منظور السرديات وكيفية معالجة باحثة السرديات الفرنسية مونيكا فلودينرك للذاتية والغيرية، وقراء رواية «الغريب» للروائي ألبير كامو مقدما تحليلا لهذه الرواية كتبه الباحث إدوارد سعيد.

الغريب والغريب الآخر

وفي البحث الثالث من هذا المحور بعنوان «الغريب والغريب الآخر: سردية صورة «العربي» في الرواية الفرنسية» يقول د. سعيد يقطين، أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط: لا «آخر» في السرد، أيا كان نوعه، من منظور السرديات، كما أتصورها، غير «المروي له»، خطابيا، أو «المتلقي»، نصيا. أما من زاوية المادة الحكائية، فيمكن لأي شخصية، أو فاعل، أو عامل، أن يتبادل الأدوار مع غيره من الشخصيات، فيتحدد موقعه وفق وظيفته في القصة، فيكون، أحيانا، «ذاتا»، وأحيانا أخرى يتحول إلى «آخر». وأضاف: إن هذا التحليل السردي للآخر هو الذي يعطي شرعية لتحليل صورة الآخر في السرد. وعلى الرغم من كوننا لا نصادر التحليلات الأخرى، فإننا أشد اقتناعا بأن المقاربات المتعددة للذات والآخر، وصور كل منهما، حين تتصدى للعمل السردي، لا بد من معالجتها بكيفية تتلاءم مع طبيعة النوع الذي يتم من خلاله تجسيد كل من العناصر المشار إليها.

أما إذا كان تحليلها يرتهن إلى اختصاصات لا علاقة لها بالسرد، في خصوصيته النوعية، فإن اشتغالها بالسرد، لا يمكن أن يتم إلا من منظورات غير سردية. وكلما كان الاشتغال بالهوية، عموما، يتم في نطاق غير سردي فإنه يحول العمل المتناول إلى ذريعة نصية لتصريف رؤيات جاهزة، ولن يجد نفسه إلا أمام التأولات البعيدة. ويعرض يقطين، في بحثه معالجة الرواية المكتوبة بالفرنسية لـصورة «العربي» من منظور سردي، يتأسس على التحليل النصي، بغية الإمساك بكيفية حضوره فيها باعتباره «الآخر»، سرديا ودلاليا، ثم ينتقل بعد ذلك إلى الوقوف على كيفية معالجة باحثة في السرديات، هي مونيكا فلودينرك، لـ «الذاتية والغيرية»، وإدوارد سعيد في تحليله للغريب لكامو، ويعرض في محور آخر قراءة لرواية «الغريب» لألبير كامو، لمعاينة الفرق بين طريقة معالجتنا للآخر من زاوية سردية، وينتهي بقراءة عامة لـ «مورسو: تحقيق مضاد»، لكمال داود التي تتعلق بنص الغريب، من زاوية تبرز صورة أخرى الغريب - الآخر. وأضاف يقطين: سيظل بحث صورة الآخر تتجاذبه اختصاصات متعددة، ويمكن لكل منها أن يتعامل معها وفق الرؤية التي ينطلق منها في فهم السرد، وكيفية تمثيله للذات في علاقتها بالآخر، في ضوء المتخيل الثقافي. لكن السرديات التي لم تهتم بموضوع الآخر، يمكنها إذا حاولت الاشتغال به، من منظورها الخاص، أن تستفيد من الدراسات المختلفة، وتنطلق من تحديد تصور مختلف للذات في علاقتها بالآخر، بكيفية تنسجم مع طريقة فهمها لخصوصية العمل السردي.

فالذات هي ذات الراوي أو المؤلف. والآخر هو المروي له، أو القارئ - وفي ضوء هذه العلاقة، تبحث في العلاقات بين الشخصيات باعتبارها ذواتا وآخرين، ومن خلالها تعمل على تتبع صيرورة تشكل العلاقات بينهما وصولا إلى استخلاص طبيعة تلك العلاقة، ووظيفتها. وهذا ما سنعمل على القيام به في تحليلنا لرواية الغريب لألبير كامو. لكن قبل ذلك نود تكوين صورة مختصرة عن رأي إحدى المتخصصات في السرديات، وكيف عملت على قراءة الآخر في السرد.

المحور الثاني: صورة العربي في السرد الغربي المعاصر

ناقشت الندوة خمسة أبحاث في المحور الثاني بعنوان «صورة العربي في السرد الغربي المعاصر»، وفي جلسة أدارتها د. ابتهال الخطيب، تحدث كل من د. منال حسني أستاذ اللغة الفرنسية بجامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا عن «العربي د. أبريل ناجاج عن «العربي في الرواية الامريكية». البداية كانت مع د. منال حسني والتي تقول في مقدمة بحثها: إن علاقة فرنسا بالعالم العربي طويلة ومعقدة، كذلك صورة العربي الذي ظهر في الأدب الفرنسي منذ بداياته في العصور الوسطى كنتيجة طبيعية للقرب الجغرافي النسبي مع عرب الأندلس من ناحية، وللحروب الصليبية من ناحية أخرى. ونتيجة هذا القرب الجغرافي، استخدم الأوروبيون عامة والفرنسيون خاصة العالم العربي بشكل صدامي كشاشة لعرض قلقهم وصراعاتهم بشأن هويتهم وما هم عليه، وكمرآة يستطيعون من خلالها تبني الخصال التي تجعلهم في صورة أحسن بالتشديد على مدى اختلاف ونقص العربي. فصورة هذا الآخر القريب مكانا والبعيد جوهرا مرتبطة بشكل ما بالصورة التي يرى عليها الفرنسي ذاته، وبمدى توافر عناصر الصراع بينه وبين هذا الآخر، مما يجعله يتقبل أو يتذمر من إحساس المغايرة. لذا فهذه الرؤية تختلف باختلاف الحقبات وباختلاف أصل هذا العربي وعلاقته الآنية بالواقع الفرنسي.

العربي في الرواية الفرنسية

وأكدت الدكتورة منال حسني أن فرنسا تربطها علاقة طويلة ومعقدة مع العالم العربي ظهرت في الأدب الفرنسي منذ بدايات العصور الوسطى كنتيجة طبيعية للقرب الجغرافي النسبي مع عرب الأندلس من ناحية، وللحروب الصليبية من ناحية أخرى، وأنه نتيجة هذا القرب الجغرافي استخدم الأوروبيون عامة والفرنسيون خاصة العالم العربي بشكل صدامي كشاشة لعرض قلقهم وصراعاتهم بشأن هويتهم وما هم عليه. وقالت حسني: ان بداية الظهور العربي في السرد الفرنسي كانت بظهور شخصية العربي الجزائري في السرد الفرنسي من خلال القصص والروايات الخاصة بالأطفال والشباب ما بين سن العاشرة والسادسة عشرة، وهي قصص وروايات مغامرات أبطالها من الفئة العمرية نفسها وتدور أحداثها في الجزائر، مشيرة انه كان لهذه المؤلفات الواسعة الانتشار أثر عميق في تشكيل وعي أجيال كاملة من الفرنسيين وفي رسم صورة ذهنية لهذا الآخر العربي، ويمكن للباحث أن يلاحظ أن كل هذه النصوص على اختلاف مشارب كتابها، تشترك في بعض المضامين المكررة.

العربي في الرواية الأمريكية

وفي البحث الثاني المعنون بـ «العربي في الرواية الأمريكية» قالت الدكتورة ابريل ناجاج، أستاذ التاريخ بجامعة بوسطن إن المواقف والفرضيات التي انتشرت في الأدب الشعبي، فيما يتعلق بالعرب والشرق الأوسط بشكل عام كان تغيرها محدودا جدا، مشيرة إلى ان هذا الأمر يعود إلى الماضي البعيد وإلى العصور الوسطى، وحتما إلى العصر الحاضر مع استمرار تأثير الاستشراق حيث ينظر غالبا إلى الشرق الأوسط من قبل الأمريكيين من منظور مزدوج محمول من أيام الحرب الباردة، حيث كان كل شيء في السياسة بعقلية الأبيض والأسود مع أو ضد، وهذه العقلية لاتزال حاضرة في سياق السياسة الأمريكية إلى يومنا هذا. وأشارت ناجاج إلى أن الذاكرة التاريخية الغربية تمثل المسلم الذي «يحمل السيف» صارخا كالرعد عبر مضيق جبل طارق، أو يفرض الحصار على فيينا الرجل القديم في الجبال مع القتلة الذين يعيشون على المخدرات، وقد جندوا لقتل القادة السياسيين وتجار الرقيق الأبيض وقراصنة برابرة قد تجسدت من جديد على هيئة قراصنة طائرات ومفجري السفارات، وهم يخلقون ببشاعة خطوط غاز طويلة.

 

وحول تأثير أحداث يوم 11 سبتمبر على القصص الشعبية، قالت: كان الإرهابيون بديلا عن الروس في اختيارهم في الرواية السياسية أو روايات الجاسوسية المشوقة، وهؤلاء الإرهابيون غالبا ما يكونون عربا أو مسلمين يأخذون أدوارا أهم وأكبر في الكتب، ودائما كأشخاص سيئين، وهم دائما من يخسر في النهاية. العربي في الرواية الإنجليزية وفي جلسة أدارها د. هيثم الحاج علي، واستكمالات للمحور الثاني حول صورة العربي في السرد الغربي المعاصر، تحدث كل من: د. إكرام الشريف عن العربي في الرواية الانجليزية، ود. خيري دومة عن العربي في الرواية الغربية، ود. أحمد عبدالعزيز عن العربي في الرواية الإسبانية، والحديث بدأ من الدكتورة إكرام الشريف الأستاذ المساعد بجامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا، وقد بحثت حول «المسلمون في الأدب الإنجليزي من القرن الــ16 إلى الــ19 ميلادي»، وفي التفاصيل تقول إن العرب والمسلمين والشرق أوسطيين مفردات تستخدم غالبا في وسائل الإعلام الدولية والثقافة الشعبية بشكل متبادل كأنها تحمل المعنى نفسه، مما يؤدي الى مشكلة تضارب وخلط بين مدلولاتها في أذهان الناس العاديين وخاصة في الغرب، على الرغم من حقيقة أنه ليس كل العرب مسلمين وليس كل الشرق أوسطيين عربا، وليس كل المسلمين عربا، إلا أن وسائل الإعلام لا يقومون فقط بالجمع بين هذه المفردات بغض النظر عن التاريخ والعلاقات الخاصة بالعرق أو القومية أو اللغة، لكن ايضا غالبا ما تكون مقولبة بشكل سلبي.

وأوضحت الشريف أن بعض الكتاب الغربيين يحللون صورة العرب والمسلمين في أفلام هوليوود، بدءا من الأفلام الصامتة إلى الوقت الحالي غالبا ما تمثل الرجل العربي كقاتل متوحش ومغتصب او متعصب ديني، ومثلت المرأة العربية بعديد من الصور التي تحط من قدرها.

العربي في الرواية الإسبانية

وفي البحث الرابع الذي قدمه أستاذ الأدب المقارن بجامعتي القاهرة والطائف الدكتور احمد عبدالعزيز حول «صورة العربي في الرواية الاسبانية المعاصرة»، قال إن صورة العربي في الأدب الإسباني تشكلت من عدة عوامل وأهمها ديوان الحكايات والأغاني الشعبية الذي انعكس عليه الصراع الدائر بين الشعبين العربي المسلم والأوروبي المسيحي، والعامل الثاني هو الاستعمار في العصر الحديث الذي لعب دورا خطيرا في تشكيل صورة العربي المسلم في العالم، حيث سخر الاستشراق في خدمة أهدافه، وقد نتج عن ذلك تصوير الشرق والإسلام بتصورات خاطئة مملوءة بالمغالطات، وقدم صورا للاستعلاء الغربي على العرب والإسلام. وتابع: ان تلك الموجة من الاستشراق أو الاستعراب الإسباني المواكب للاستعمار سرعان ما راحت تخبو لتخلفها حركة المستعربين الإسبان الجدد العادلين في منتصف القرن العشرين. وأشار إلى ان الصورة في الأدب الإسباني امتدت لتشمل الأنواع الأدبية كلها شعرا ومسرحا وملحمة ورحلة ورواية وظل الجانب الأسطوري يطل برأسه بين الحين والآخر، مشيرا إلى ان ثمرة حركة المستعربين الإسبان الجدد مثلت في جانبين في صورة فتح الأندلس من جانب وتصوير نهاية الأندلس من جانب آخر.

العربي في الرواية الغربية

وفي البحث الخامس والأخير من المحور الثاني حول «صورة العربي في الرواية الغربية» يقول الدكتور خيري دومة أستاذ اللغة العربية بكلية آداب القاهرة، إن الصورة النمطية للعربي التي رسخت في وعي الأوروبيين لقرون لا تحضر في فن الرواية إلا في شخصيات ثانوية عابرة مسطحة يستخدمها الكاتب الغربي في جملة ويفهمها القارئ على الفور، ثم يمضي في طريقه لاستكمال العمل! وأضاف دومة:

ان هذه الشخصيات الثانوية تحتاج إلى دراسة موسعة في الروايات الغربية، أما حين يتحول العربي إلى بطل للرواية فيصعب تماما تحويله إلى شخصية نمطية من دون أن يضر ذلك ببناء الرواية وعمقها، ذلك أن البطل هو العنصر البنائي الأساس في فن الرواية ولا إمكانية لرسم هذا البطل من دون تجسيد للطابع الإشكالي الملازم لصورته. وأشار إلى أن الصورة الذهنية التي صنعها العرب والغربيون أحدهما للآخر صورة مركبة ومتعددة الوجود إلى أبعد حد، وهي نتاج لتراكم طبقات مستمرة من العلاقات التاريخية والجغرافية والسياسية والعسكرية والثقافية بين الطرفين منذ العصور الوسطى الأوروبية المسيحية، زمن الحروب الصليبية على المشرق العربي والإسلامي.

واختتم دومة حديثه وبحثه بصورة صادمة للعربي والمسلم (الكافر والشهواني والبدائي)، وقال إن هذه الصورة ترسخت في الرواية الغربية حتى أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وفي بداية القرن الحادي والعشرين وما أعقبها من جماعات تنشق عنها الأرض حيث ترسخت صورة العربي (أصوليا وإرهابيا وشهوانيا).

 

39 فناناً وفنانة قدموا إبداعاتهم في «القرين الثقافي»

إيقاعات التنوع والاتجاهات في معرض الشباب التشكيلي

كتب: جمال بخيت

قدم معرض الشباب التشكيلي مجموعة من المواهب الشابة التي بدأت تتخذ مكانا مرموقا في المشهد التشكيلي الكويتي، حيث عرض 39 فنانا وفنانة من جيل الشباب ابداعاتهم في قاعة معجب الدوسري بمركز عبدالعزيز حسين الثقافي في معرضهم الذي جاء ضمن فعاليات مهرجان القرين الثقافي الــ 21.

تنوعت الأعمال بين الرسم والنحت على الخشب وفنون الخط العربي، فيما تنوعت الأساليب المعاصرة في فنون التشكيل. محمد علي كمال يرسم مشهداً جمالياً تبدو فيه جماليات البيانو مع الإنسان لكنه شكلها بخطوط لونية ذات تميز واضح مع الإجادة في توزيع الألوان وتناسقها وبذلك استطاع رسم المشهد الواقعي بايقاع وصياغة بديعة، أما ناصر الفرج فرسم مشهدا من البحر مع افتراض لوني معبر، وجاء المشهد الفني باحتمالات رمزية معبرة في الصياغة الفنية.

ويرسم حسين علي الفردان لوحة يختزل فيها المشهد الهندسي مع تتابع افتراضي كأنه يرسم العالم في هذه البقعة الصغيرة، ويتفوق علي محمد بخش في لوحته الخطية التي زخرفها بألوان وخلفيات تمتزج مع بروز حالة الحروفيات التي قدمها في اللوحة. وعلى جانب مشاركة الشابات الفنانات، نرى عملا لأسماء مخلد الصواغ وهي ترسم مشهد الصوتية وحالة الندرة الفنية التي شكلت خلالها الشخوص بإيقاعات موسيقية مؤثرة يستطيع المتلقي أن يشعر بهذه التوليفة الإبداعية التي قدمتها واكتمال المشهد الجمالي في اللوحة ما منحها درجة من التميز الفني في رسم اللوحة، ويقدم محمد حمزة رئيس بورتريه محاطا بمربعات لونية تبدو كأنها زخرفة اللوحة الفنية المرسومة خصيصا لفن الوجه ولكنه يمنحها جمالا فنيا في توزيع واضافة الألوان.

وترسم ضحى عبدالرحمن الهولان فتاة ذات طبيعة فنية وهي تمسك بحابل الألوان وهي لغة اسقاطية يبدو خلالها تأثير الذاتية على سفوح اللوحة وفي أبعادها الجمالية، وفي فنون الطبيعة الصامتة ترسم حنان خالد الربيعان لوحة ذات إيقاع صامت تبدو فيها الأدوات وسكون المشهد هو المحك الجمالي التعبيري الذي استطاعت الفنانة إيصاله للمتلقي. ويبدو أن عالم البورتريه كان مؤثرا بألوان المشاركات فرسمت منى علي حسين بورتريه لامرأة ورجل مسنين في مشهد جمالي بديع، فيما قدمت نورة هاشم الحلاق لوحة لفتاة استطاعت أن تقدم تفسيرا لحالة الوجه تعبيرا، ورغم مساحة التعبير فإنه كان مؤثرا في تكوين اللوحة وأبعادها الفنية. وفي مشهد بحري رسمت ريم العثمان مركبا من الزمن القديم تأثرا بعالم السينما ورسم هذا النوع يحتاج إلى وقت لصياغة هذه الأشرعة المتداخلة وأبعادها، ورغم ذلك كانت لوحتها ذات طابع مميز، ورسمت سارة أنور أحمد مشهدا فنيا وشخوصا مع إظهار لغة الجمال اللوني وإيقاع الحركة الفنية في اللوحة، ومن عالم البحر والطبيعة رسمت شعاع ناصر الخرينج مركبا على المرسى ومشهد البحر الجميل يتخذ المدى البعيد، واستطاعت أن تقدم لنا مشهدا طبيعيا لا يقل جمالا عن رسومات فنانين كبار. وتنوعت الأعمال بين رسم المشاهد وتصويرها ورسم مقاطع من عالم العمارة التقليدية الكويتية القديمة والطبيعة بكل أشكالها سواء صامتة أو تصوير مشهد طبيعي أو صياغة شكل إنساني تعبيري. ويظل عمل النحات الشاب عبداللطيف محمود أشكناني محورا جماليا جديدا يبشر بموهبة غنية ترسم معالم طريقها لمستقبل واعد من خلالها رصد الحركة الإيقاعية في نحت قطعة الخشب وتشكيلها بهذا النمط الإبداعي.

 

ضمن مهرجان القرين الثقافي الـ 21

فرقة «لوغو» الفرنسية مزجت بين الموسيقى العالمية والفولكلور الفرنسي

كتب: عماد جمعة

نجح مهرجان القرين في دورته الـ 21 في أن يقدم توليفة متنوعة من الفنون المختلفة التي تخاطب كثيرا من الأذواق من مختلف الجاليات المقيمة على أرض الكويت؛ فمن الليالي الطربية، وفرقة أم كلثوم للموسيقى العربية، حيث الطرب الأصيل، إلى فرقة الروك الأمريكية والفنون الهندية، إلى فرقة لوغو الفرنسية، ليستمتع الجمهور بألوان متباينة لتراث وحضارات مختلفة. وفي هذا الإطار قدمت فرقة لوغو الفرنسية، على خشبة مسرح متحف الكويت الوطني، سهرة غنائية موسيقية وكانت عريفة الأمسية الإعلامية المتميزة سودابة علي، وبحضور الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وجمع غفير من المواطنين والمقيمين خاصة من أبناء الجالية الفرنسية.

قدمت الفرقة عددا من الأغنيات الجماعية والمقطوعات الموسيقية بأصوات فريدة، تخللها عزف آلة الكمان الغجري والأكورديون وإيقاعات البحر الكاريبي وغناء شمال أفريقيا. وتطرح فرقة «لوغو» التي تتكون من عازفين فرنسيين أساسيين مزيجا من الموسيقى العالمية والفولكلور الفرنسي بطابعه الشمال أفريقي. وتنوعت الأغاني ما بين الألوان الكلاسيكية الرصينة والرومانسية الحالمة والشبابية التي تعتمد على إيقاعات الدرامز الصاخبة، وتميز أعضاء الفرقة بالقدرة على العزف لأكثر من آلة موسيقية، وهي آلات ربما تكون غير مألوفة لنا نحن العرب، فهناك آلة أقرب إلى الربابة المصرية، وإن كان حجمها أضعاف هذه الربابة. واستطاعت الفرقة اجتذاب الجمهور بأدائها المتميز، وتفاعل معها بشدة في سهرة موسيقية غنائية أكدت تعطش الجمهور لمثل هذه الألوان الغنائية التي تحمل ثقافات وبيئات مختلفة.

البدايات

أُسست الفرقة في بداية الثمانينيات في مدينة «أنجيه» على يد المطرب وعازف الكيبورد الفنان دينيس بيان وعازف الكمان الفنان ريتشارد بورو اللذين استمرا عازفين أساسيين في الفرقة طوال تاريخها الفني، وحظيت الفرقة بشعبية كبيرة في مدينة أنجيه الفرنسية. وفي نهاية الثمانينيات قدمت عروضا في أنحاء أوروبا، كما ظهرت في نيويورك كجزء من عروض جماعية مع عدد من الفنانين. وفي منتصف التسعينيات انضمت إلى الفرقة عازفة الساكسفون البربرية الفنانة يامنا المريد وشقيقتها نادية، فأضافتا إلى موسيقى الفرقة الطابع الشمال أفريقي. وحققت الفرقة الفرنسية شهرة عالمية كبيرة عند إطلاقها لألبوم «موجو راديو»، حيث أتاح الفرصة لها للمشاركة في دورات المهرجان الدولي للموسيقى والفنون والرقص الذي يقام سنويا في المملكة المتحدة؛ لتنتقل الفرقة في نهاية التسعينيات لباماكو عاصمة جمهورية مالي، وتسجيل ألبومها «بوهيمي دي كريستال».

كما شاركت «لوغو» في تنظيم مهرجان موسيقى الصحراء الذي أقيم في بداية 2001 بجمهورية مالي، وطرحت العديد من الألبومات الغنائية التي حققت شهرة واسعة في أمريكا وأوروبا، ومنها «310 لونز» و«كوزمو فونو» و«سي سوار لايف». هذا ولايزال يتواصل برنامج مهرجان القرين الثقافي الـ 21 الذي يشمل أكثر من 50 فعالية ثقافية وأدبية وفنية، برعاية سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح حتى الـ 24 من الشهر الجاري.

 

بحضور جماهيري كبير ضمن فعاليات مهرجان القرين الثقافي الحادي والعشرين

ليلة غنائية كويتية شبابية للعماري والهندي

ضمن الفعاليات المتنوعة التي تشهدها الدورة الحادية والعشرون من مهرجان القرين الثقافي، بالتعاون بين المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ودار الآثار الإسلامية، أقيمت ليلة غنائية شبابية كويتية على خشبة مسرح مركز الأمريكاني الثقافي بحضور جماهيري كبير، أحياها الفنانان الصاعدان حمد العماري وآلاء الهندي، بمصاحبة فرقتهما الموسيقية المكونة من عناصر واعدة في العزف الموسيقي، حضر الحفل لفيف من الشخصيات الاجتماعية والإعلامية والديبلوماسية، وقدمه صباح الريس الذي رحب بالحضور الحاشد، متمنيا لهم قضاء أمسية غنائية شبابية ممتعة.

صوتان واعدان

صوت الفنان العماري صدح بعذوبة بمشاركة الصوت النسائي الواعد آلاء الهندي، حيث قدما مجموعة من الأغاني ذات الإيقاع السريع والكلاسيكي الممتزج مع الألوان الغربية والألوان الكويتية، عبر روح موسيقية متناغمة ألهبت الحضور الكبير الذي ردد كلمات الأغاني وعاش مع أجواء الحفل وسط استعراض موسيقي من أعضاء الفرقة بالعزف على عدة آلات موسيقية، حيث اتسم الحفل في الدقة والجمال والتناغم الفني الجميل.

تفاعل كبير

استُقبل العماري عند بداية الحفل بتصفيق حار من الحضور، وغنى أبرز أعماله الغنائية «مشغول» التي طرحها ضمن ألبومه الغنائي الأول، والتي مزجت بين ألوان موسيقية الكويتي والإسباني والمغربي، كلمات أحمد الصانع وألحان العماري، والتوزيع الموسيقي صهيب العوضي، وشاركته الغناء آلاء الهندي التي انسجم صوتها مع صوته والتي وجدت تفاعلا وردد كلماتها الحضور: محتاج إنك تجيني يوترني طول الجفا مشغول وإلا ما تبيني

«عيني غفت»

الخامة الصوتية التي يتمتع بها العماري، واصلت التألق لتقدم «أشتاقلك» عبر لون غنائي رومانسي عذب، ثم غنى «عيني غفت» بمرافقة صوت آلاء الهندي، الأغنية كلمات أحمد الصانع وألحان حمد العماري والتوزيع الموسيقي لوليد سلطان، وهي من أعماله الغنائية التي نجحت في الساحة الفنية، وعاش الحضور مع كلماتها العذبة الجميلة، التي تحدثت عن موضوع رحيل الوالد عن الأسرة وافتقاد الابن له: قد خطف القلب ورحل غاب عني وما سأل سيدي لروحك أنادي الحب زاد وما ذبل

«هيبة»

استمر صوتا الفنانين العماري والهندي في إحياء حفل غنائي شبابي من الطراز الأول بأغنية «يسألني»، ليشتعل الحضور انسجاما وتفاعلا وطربا مع أغنية السنجل التي طرحها التي حملت عنوان «هيبة»، وتعتبر من الأغاني الناجحة في مسيرة العماري، كتبها عبدالعزيز جعفر، لحنها العماري، التوزيع الموسيقي زيد عادل، تميزت كلماتها بالجمال والرقي والبساطة في المفردات: مع الناس أمثل قمة برودي وإن العواطف مالها أي قيمة ما دروا الأشواق فيني تسودي الكتمان عندي عادة جديمة دلني وين ألقاك وأشوفك يا بابا ثقل همي علي وزاد انسيابه مازلت أنا صغير أحتاجك يا بابا تطبطب علي وأنا دموعي سكابه

مسك الختام

قدم العماري عبر إحساسه الرومانسي العذب أغنية «شلي جري وصار»، وهي مقدمة مسلسل «الواجهة» الذي عرض العام الماضي، التي كتبها الشاعر الشيخ دعيج الخليفة الصباح، ألحان عمار البني، ليقدم العماري مع الهندي دويتو أغنية «باب الوصل»، كلمات أحمد الصانع وألحان العماري والتوزيع الموسيقي صهيب العوضي، وبناء على طلب الحضور أعاد العماري أغنية «مشغول»، ثم غنى «غايب»، بعدها ألهب تفاعل الحضور مع أغنية «وهران» ذات اللون المغربي، ليكون مسك الختام مع أغنية «مشغول» التي أعادها مجددا.

 

ندوة «القرين» واصلت فعالياتها وناقشت صورة العربي في سرد الجوار

الصغير: الذاكرة التركية احتفظت بالصورة النمطية للمجتمع العربي

جردات: تهيأت أسباب عدة لدى جيل الكُتاب الأول من الإيرانيين لمعاداة العرب

خير بيك: العلاقات العربية الإيرانية أخذت بعداً سياسياً يترك بصماته في قراءة الصورة الأدبية

كتب: عادل بدوي

في ثاني أيام الندوة، وفي جلسة صباحية أدارها د. صبري حافظ، ناقش المنتدون أبحاث كل من: د. أحمد الصغير أستاذ النقد حول الأدب التركي، ونظرا لتعذر مشاركته قرأ البحث نيابة عنه مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط علي عطا، وحول الأدب الإيراني، تمت مناقشة بحثين للدكتور عبدالكريم جردات أستاذ اللغة الفارسية وآدابها، ود. مها خير بك أستاذ اللغة العربية في الجامعة اللبنانية.

 

البداية كانت مع علي عطا الذي قرأ بحث الدكتور الصغير والذي يَطْرَحَ أفقا مَفْتُوحا حَوْلَ صُورَةِ الْعَرَبِ في الأدبِ التركي الحديث عامة، والرواية والسيرة الذاتية بصفة خاصة، مرتكزا على روح الشخصية العربية، ومكانها، وزمانها في السرد التركي بخاصة، وأيضا من حيث مَدَىَ إفَادِة الأدبِ التركي من الأدبِ العربي، ودور الشخصية العربية، وحياتها الاجتماعية والسياسية والثقافية، ضمن المنتج الثقافي التركي، وكيف ينظر الأدب التركي/ الشخصية التركية المنتجة لهذا الأدب إلى الحياة العربية عامة؟ والإنسان العربي بخاصة؟ واتكأتْ هذه الدراسة على طرح الصورة العامة للشخصية العربية في الأدب التركي الحديث والذاكرة الإنسانية، وتناولت على سبيل التمثيل الكاتب/ الروائي نجيب فاضل ثم اختصت الدراسة بقراءة صورة العربِ في عملين أدبيين أولهما: (السيرة الروائية للكاتب التركي، أورهان باموق التي جاءت بعنوان «إسطنبول... الذكريات والمدينة»، والثاني «رواية عشق السكون.... كل امرأة هاجر»، للروائية التركية، نورية تشالاغان.

العربي في الأدب التركي

ويقول الصغير إن الذاكرة التركية احتفظت بالصورة النمطية للمجتمع العربي بأشكاله المختلفة من خلال العصور القديمة، بدءا من التناحر الشديد على السلطة من قِبَلِ الأتراك العثمانيين الذين رَوَّجُوا؛ لتخلف العرب، ورغبتهم الشديدة في السيطرة على البلاد العربية (فيما عرف بالفتح العثماني!)؛ لتصبح ولايات عثمانية، تابعة للإمبراطورية العثمانية في القرن السادس عشر (1517)، ومن ثمَّ احتلال مصر، وإعدام السلطان طومان باي على باب زويلة، لترهيب الشعوب العربية بعامة والمصريين بخاصة، من مواجهة الجيوش العثمانية التي جاءت، لغزو البلاد العربية، وقتل العباد، متخفية تحت ستار الدين والفتح العثماني- الإسلامي، على الرغم من أن هذه البلاد العربية كان دينها الرسمي هو الدين الإسلامي! وتابع.. مع نقل الخلافة من (القاهرة) إلى (إسطنبول)، لم يكن الأمر ببعيد عن الذاكرة الآنية التي توارثتها الأجيال في تركيا من خلال الإعلام بوسائله كافة أنَّ حياة العربَ عبارة عن مجتمعٍ بدوي يعيش في الصحراء، يعشق الكسل، والنوم والطعام والنساء، فبدأت الصورة في الالتحام بالعقليات التركية التي وضعت حاجزا منيعا بين العرب، والترك، وأن الأتراك جنس أرقى من الجنس العربي، وكانت الصورة من جهتهم (أي الأتراك) صورة سلبية تدعي أن العرب جنس لا يهتم بحضاراته ولا بقيمه ولا بمجتمعه. بل وصل الأمر أن بعض المؤرخين الأتراك في الفترة الكمالية (أيام حكم مصطفى كمال أتاتورك) كانوا يصفون العرب بالخيانة والغدر والحقارة والبداوة. وفي نهاية بحثه يقول الصغير: إن الرواية التركية، رغم اهتمامها بتصوير المجتمع التركي وتعريته وفضح مكامنه وحديها عن المسكون عنه دائما، فإنها تحاول على استحياء أن تتخلى عن محليتها، لترصد وقائع إنسانية وتاريخية، خارج محيطها التركي وجغرافيتها، من خلال استدعائها للشخصية العربية والمكان، والمفردات العربية أيضا، فهي تمثل حضورا قارا داخل المنتج المعرفي والثقافي/ الأدبي التركي الحديث.

العربي في الأدب الإيراني

ومن جانبها تؤكد د. مها خير بيك في بحثها بعنوان «صورة العربي في السرد الإيراني» إن عملية رصد الأدب المقارن العربي والفارسي تبرز ظاهرة التأثر والتأثير بين الأدبين، سواء أكان ذلك على مستوى اللغة أم الأدب، وهذه العلاقات تكشف عن تقارب فكري واجتماعي وإنساني بين الأدباء، غير أنّ بعض الدراسات تركّز على الحقد والتباعد ونظرة الاستعلاء والشوفانيّة من خلال قراءة نصوص أدبيّة أفضى تأويلها إلى وضع فرضيات وتصوّرات مؤسسة على معطيات قالتها كتابات الأدباء الإيرانيين. وأشارت إلى أن للعلاقات العربية الإيرانية بعدا سياسيا يترك بصماته على قراءة الصور الأدبية وتأويلها، فقرأ بعض الباحثين العرب الصور المرسومة بالكلمات قراءة سلبية نتجت منها مقولة تؤكد نظرة الشعب الإيراني الاستعلائية والشوفانيّة في مقابل نظرة دونيّة إلى العرب. وتابعت.. تذهب بعض المناهج الدراسيّة العربيّة إلى أنّ الفرس شوهّوا وجه الإسلام، وخدشوا وحدة العرق العربيّ، ولوّثوا أنساب العرب وقيمهم الأصيلة، كالكرامة والشجاعة والأمانة، بالكذب والنفاق. فإذا كان بعض الأدباء الفرس يحمّلون العرب مسؤولية انهيار ثقافتهم وحضارتهم، وينظرون إليهم نظرة استعلاء ممزوجة بالاحتقار، فبعض العرب، أيضا، يعتقدون أن الفرس وقفوا ضد الحضارة العربيّة، وأنّهم مجوس لم يسلموا بعد، وهذه الاتهامات المتبادلة لها أبعاد سياسيّة تنتج صورا تخدم الأهداف وتساعد على تجييش المجموعات البشريّة لتقف إلى جانب السلطات السياسيّة وتقاتل العدو المفترض بعقيدة وطنيّة وقوميّة.

معاداة العرب

وفي ملخص بحثه يقول د. عبدالكريم جردات: إن هذه الدراسة حول صورة العربيّ لدى كتَّاب الرواية الإيرانية أوائل القرن العشرين، ممن كان لهم السبق في إيجاد هذا الجنس من الأدب، ومنهم صادق هدايت، المؤسس الفعلي لهذا النوع الأدبي وأكثرهم عداء للعرب، وبزرك علوي، وكلاهما يعدّان من كتاب الجيل الأول. وتطرقت الدراسة بإيجاز إلى صورة العربيّ في كتابات جلال آل أحمد من الجيل الثاني، وإلى صورة العربي لدى كتاب الجيل الثالث، ومنهم أحمد، وعرضت الدراسة أيضا أهم العوامل المؤثرة في تكوين صورة العرب السلبية في الرواية الإيرانية، ومستقبل هذه الصورة. ويقول جردات: لقد تهيأت أسباب عدّة لدى الجيل الأول لمعاداة العرب في كتاباتهم، منها النزعة القومية التي سادت في زمنهم، بدعم من حكم رضا البهلوي، وكذلك الواقع المتخلف الذي كانت تعيشه إيران مقارنة بالنهضة العلمية الأوروبية، والأفكار الوهمية المسبقة المتوارثة عندهم عن العرب والإسلام أنهما السبب المباشر في زوال حضارتهم، وللأفول العلمي والثقافي والاجتماعي في إيران المعاصرة. وأشار إلى إن كل ما تم ذكره من أسباب دفع بهؤلاء الكتَّاب إلى تبني نزعة قومية متطرفة، تدعو إلى الإعلاء من شأن الإيراني الآري وحضارته العريقة، وإلى الحطّ من قيمة العربي السامي وحضارته الوضيعة، فانصب سخطهم على المذهب الديني الذي كانوا يعايشونه في إيران، وقادهم ذلك إلى لعن العرب وتصوير الإسلام بأبشع الصور لارتباط المذهب بهما، والملاحظ أن الصور التي رسمها هؤلاء الكتَّاب للعرب والإسلام تجاوزت إلى حد كبير تلك التي رسمها الشعوبيون الذين عملوا ظاهريا على تحييد الدين في قضية عدائهم للعرب. واختتم جردات بالإشارة إلى أن كتَّاب الجيل الأول هم الأشد كرها وعداء للعرب، إذ قدموا عنهم صورا مشوهة في كتاباتهم، وربطوا عداءهم للعرب في تلك الحقبة الزمنية بالإسلام، فعدّوهما وجهين لعملة واحدة. أما الجيل الثاني فيعدّ العرب شيئا والإسلام شيئا آخر، فعداؤك للعرب لا يعني عداءك للإسلام. بينما تبنى أبناء الجيل الثالث النظرة الواقعية والموضوعية في تصويرهم للعرب في كتاباتهم، ما يجعل الرهان على تغيير صورة العربي النمطية في الرواية الإيرانية رهانا معقولا.

المحور الرابع: صورة الخليجي في السرد العربي والخليجي

أ- صورة الخليجي في السرد العربي

تناول المحور الرابع من محاور ندوة مهرجان القرين الثقافي الـ21 «المستقبل وصورة العربي في رواية الآخر» «صورة الخليجي في السرد العربي»، وفي جلسة أدارها الباحث خليل حيدر، تحدث كل من: د.هيثم الحاج علي أستاذ الأدب العربي بجامعة حلوان، ود.محمد إبراهيم بريري أستاذ الأدب والنقد بجامعة إلمنيا، والناقد المغربي د. بوزيد لغلي الكاتب. من جانبه قدم د.هيثم الحاج ورقة بحثية عنونها بـ «السارد وآليات رصد المجتمع الخليجي» مستعينا بقراءة ثلاثة نماذج روائية مصرية، وهي: «البلدة الأخرى» لإبراهيم عبدالمجيد، و«مذكرات عبده ريال» لمحمد غزلان، و«نسائي الجميلات» لأمنية طلعت، وذلك بوصفها ثلاث عينات عشوائية اتفقت في كون ساردها بطلا للأحداث، على المستوى التقني، ومصريا ينتقل للعمل والعيش بشكل مؤقت في أحد المجتمعات الخليجية على المستوى المضموني، لتمثل هذه العينات رؤية المجتمع الخليجي لدى هؤلاء الساردين عبر نصوص اتسمت بتنوع رؤاها الجمالية. ويخلص الحاج علي عبر المناقشة إلى أهم الآليات التي أسهمت في ظهور أشكال وسمات المجتمعات الخليجية – أو بعضها – كما تظهر في السرد الروائي المصري، عبر النظر في ثلاث روايات ظهر فيها السارد المصري مغتربا، يشعر بالاغتراب أحيانا لكنه يقبله، أو يشعر به ويرفضه، أو يعبر عن إمكانية تقبله للاغتراب في المجتمع الجديد نظرا إلى ما يحققه له من ترقٍّ، وإن اختلفت الرؤى حسب اختلاف موارد ومشارب كل سارد في الروايات الثلاث، فإن رؤية المجتمع الخليجي تظل في النهاية محكومة بوجهة النظر التي ينطلق منها كل سارد والتي تؤدي إلى ظهور مجموعة من الآليات التي تفصل السارد عن المجتمع الجديد حسب رغبته أو قربه من رؤيته. ويؤكد الحاج علي أن هذه الآليات ربما تؤدي إلى الإقرار بأهمية تقنيات السرد بوصفها بابا أصيلا للتحليل والتأويل السردي الذي يقر في النهاية بمجموعة الرسائل التي يبثها السارد في خطابه، وربما يؤدي ذلك إلى رؤية المجتمعات المرسومة داخل هذه النصوص السردية خارج الأطر التقليدية التي يمكنها أن ترسم صورة مزيفة أو على الأقل غير صادقة عن هذه المجتمعات التي تظهر غريبة في عين الغريب، حتى تغدو جزءا من حياته بل مستقبله، وربما يسفر ذلك الآن عن الدعوة لدراسة أكثر تعمقا لصورة المجتمعات العربية عموما في عيون الساردين الغرباء عليها، لعل ذلك يرسم لنا صورتنا كما يمكن أن نراها، صورة كلية تلف وطنا كاملا يرجو أن يرى الأدب مسهما في تقارب أفراده، بالقدر الذي يرى فيه خريطته الأدبية الكاملة متكاملة فيما بينها.

العرب «الآخرون»

في السّرد المصري وتحت هذا العنوان بحث د. محمد بريري وطرح تساؤلا من خلال دراسته عن كيفية صناعة السرد المصري للآخر العربي (الخليجي خصوصا)، وهي صناعة تقوم على تعميم مخل لا يستند إلى رؤية موضوعية، بحسب بريري. وذكر بريري أن إقامة ثنائيات ضدية بين الذات والآخر ظاهرة ثقافية ذات تمثيلات متعدّدة قديمة ومعاصرة، لافتا إلى أن البشر عند العرب انقسموا إلى ثنائية ضدية أساسية، (العرب والعجم) وتُشير كلمة أعجم في أصلها اللغوي إلى الخرس، كأن من يتكلم بغير العربية بمنزلة من لا يقدر على النطق، أي أن اللغة بألف ولام التعريف هي العربية، وما دونها ليس لغة. وتابع: أما الآخر في العصور الحديثة فتتعدد تمثيلاته الاجتماعية والفكرية. ومن أشهرها الآخر الأسود في المجتمع الأمريكي. ومنها أيضا في مجتمعاتنا العربية ثنائية الشرق والغرب، وفيها يوسم الغرب بالمادية والحسّية على عكس الشرق الروحاني الأخلاقي. ولا تقتصر فكرة «الآخر»، أو بالأحرى «صناعته»، على من ينتمون إلى هويات وطنية أو قومية أو دينية أخرى، فداخل الوطن أو الإقليم أو الدولة الواحدة تقوم جماعات أو طوائف بصناعة آخرين. وعلى سبيل المثال، فإن الصعيدي المصري هو آخر عند سائر المصريين، هو آخر يتسم بالغفلة والسذاجة، ويتجلى ذلك في آلاف النكات التي لا يكف العقل الجمعي عن ابتداعها. وطرح بريري في دراسته تساؤلا عن كيفية صناعة السرد المصري للآخر العربي (الخليجي خصوصا)، وهي صناعة تقوم على تعميم مخل لا يستند إلى رؤية موضوعية، مستشهدا بعدد من الأعمال الدرامية المصرية وقدم إطلالة على الآخر الخليجي في السرد الدرامي والسينمائي المصري. وتابع.. يكتسب العربي الآخر، في معظم الحالات، صورة نمطية تتسم بالتعميمية المخلة غير الموضوعية وغير المبنية على استقصاء علمي، تُحيله إلى شيطان ثري شهواني، يكاد وجوده ينحصر في نصفه الأسفل من جسده، ومن خصائصه المميزة له كبر السن نسبيا، مع ميل شاذ إلى اشتهاء الفتيات الصغيرات، وهو، غالبا، متزوج من أخرى (أو أخريات) من بني جلدته.

ويتم زواجه من الفتاة المصرية، أو بالأحرى، شراؤه لها، في حرص شديد على السرية، وألا تعلم أم الأولاد بأمر هذه الزيجة. وفي حالات أخرى لا يتزوج هذا الرجل من الفتاة، بل يقضي وطره بها من دون زواج. ويطول بنا الأمر لو حاولنا استقصاء هذه «التيمة» في السينما أو الدراما المصرية، مكتفيا في السينما بثلاثة أمثلة، ومثل واحد من الدراما، مع ملاحظة أن هذه التيمة تأتي، في معظم الحالات، عرضا، أثناء السرد الذي يتناول موضوعا عاما. ومن المهم الإشارة إلى أن هناك حالات استثنائية يتخذ فيها الخليجي مظهرا عاديا، أو حتى إيجابيا إنسانيا، لكن الاستثناء، بالطبع، لا يُلغي القاعدة.

صورة العربي الخليجي في السرد المغربي

وقدم الناقد المغربي د. بوزيد لغلي ورقة بحثية حول (صورة العربي الخليجي في السرد المغربي) حاول من خلالها توجيه أشعة النور نحو منطقة لاتزال غُفلا بل قاعا بلْقعا من الدراسات الأدبية المهتمة بدراسة الصورة والآخر بالمغرب، لافتا إلى سيادة أو سيطرة دراسة صورة المغربي في مرآة الآخر الغربي، في مقابل الشح الحاصل في دراسة صورة العربي في السرد المغربي أو صورة المغربي في السرد العربي. واستشهد لغلي بنماذج من الأعمال الأدبية للتدليل على موضوع بحثه مثل، «أفواه واسعة» لمحمد زفزاف، مؤكدا أن الصورة التي يرسمها السارد عن الأديان السماوية في مهدها/الشرق واندياحها عبر العصور والأمصار (الإسلام، المسيحية)، تطرح حدة الخلاف الذي أدى إلى الاقتتال في الماضي والحاضر، كما تضع على المستقبل أسئلة ثقيلة مقيمة غير زائلة إلى الآن، تتعلق باستمرار عقلية الرق والتمييز على أساس اللون والعرق، ليس بين المسلمين فحسب، بل في حظيرة الفاتيكان ومؤسسات المسيحيين أيضا. ويختتم لغلي هذا السفر القصير الساعي إلى رسم صورة الخليج إنسانا ومكانا، ثقافة وعمرانا في مرآة نماذج محدودة معينة، «لا نزعم أنها تنهض عينة تمثيلية حقيقية لاستجماع نُثار أبعاد تلك الصورة إيجابا وسلبا، وجب التنبيه إلى أنه فيما عدا الرحلة إلى الحج التي تجعل موضوعها الرئيس هو البقاع المقدسة» ويرى أن موضوع الخليجيين والعرب عموما لا يحتل في السرد المغربي الذي اطلعنا على جزء مهم منه، سوى حافة عرضية ثانوية في دوران الأحداث وجريانها، وتشكل المواقف، ولا يرجع ذلك إلى ضعف احتكاك المثقفين والأدباء المغاربة بالخليج بيئة اجتماعية وثقافية، بقدر ما يرجع إلى أن الخليج العربي يشكل شريكا في الهوية والتاريخ المشترك، ولا يمثل في الوعي المغربي ذلك الآخر الذي تتلبس به المغايرة والفتنة على حد تعبير شرف الدين ماجدولين. وقال: رغم أننا لم نقف على رواية مغربية تعنى على وجه الاختصاص بالخليج وانشغالاته وهمومه وأدواره التي يضطلع بها على المستويين العربي والعالمي، فإن اللافت للنظر أن الصورة المنتجة حول الخليج بالساحة المغربية تستأثر بها في أكثر الأحوال وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها.

 

ب- صورة الخليجي في السرد الخليجي

صورة الخليجي في السرد الخليجي وفي جلسة مسائية تناولت «صورة الخليجي في السرد الخليجي» وهو الشق الثاني من المحور الرابع المعنون بـ «صورة الخليجي في السرد العربي والخليجي» أدارها د.سليمان الشطي تحدث فيها كل من: الأكاديمي والناقد البحريني د.نادر كاظم ودكتورة ضياء الكعبي أستاذ اللغة العربية وآدابها بالجامعة الأردنية، وتحدثا عن تجربة البحرين، وتحدث د. علي العنزي أستاذ النقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية عن تجربة الكويت. من جهته بين الكاتب والأكاديمي البحريني الدكتور نادر كاظم في بحثه أن العرب والمسلمين وحتى الشرقيين مهووسون بنقاء صورتهم في مرآة الغرب كتنميط واضح بهذه المسميات وكأنها كيانات واحدة وموحدة على عكس حقيقتها منذ زمن العصور الوسطى وذلك في جدلية تعرف متبادل أو إساءة تعرف متبادلة حينا وخصام وصراع لا يهدأ في أحيان كثيرة، إلى أن استقرت صورة الشرق العربي والإسلامي على نحو أكثر تحديدا على أنه نقيض الغرب وممثل «الغيرية بامتياز» والنقيض الذي صار من الممكن أن تلصق به أي صفة سلبية.

وأضاف أن السؤال عمن هو الآخر في الثقافة العربية لا تتاح الإجابة عنه بيسر إلا بطريقة سلبية، بمعنى أن الآخر هو من لا يكون جزءا من هويتنا وهذه آخرية مفتوحة بحكم أن حدود هويتنا مفتوحة بيد أن انغلاق مجال الآخرية في العصر الحديث على آخر واحد ووحيد لا يشير إلى شيء سوى أن حدود هويتنا أصبحت مغلقة وضيقة ومنكفئة على ذاتها. وأضاف نادر أن تمثيل الآخر ينطوي على بعدين شبيهين ببعدي المتخيل من حيث كونه سببا ونتيجة معا، فمن جهة أولى تعد التمثيلات وسيلة من وسائل التعبير والكشف عن القوة والهيمنة وأنها دليل ومؤشر على توافر هذه القوة والهيمنة ولهذا تكون واحدة من إفرازات هذه القوة وإحدى النتائج المترتبة على فرض الهيمنة، ومن جهة ثانية فإن التمثيلات تعمل كأداة من أدوات هذه القوة والهيمنة على أنها وسيلة من وسائل إخضاع الآخرين والهيمنة عليهم ومن ثم المحافظة على استمرار القوة ودوام الهيمنة. تجارب خليجية وفي بحثه حول صورة الخليجي في السرد الخليجي يقدم د.علي العنزي أستاذ النقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية مقاربة تحليلية في نماذج روائية خليجية، ويقول إن البحث في الرواية الخليجية، بوصفها مظهرا من أرقى المظاهر الأدبية وأقواها، يحتاج إلى وقفات أطول، حتى نستوفيه حقه ونعمق ما تمسه الظواهر المحيطة به السياسية/ الاجتماعية/ الاقتصادية من قضايا وشؤون ثقافية خليجية. وقفات أطول... لأن الظاهرة، لاتزال وليدة تجربة قصيرة، بعد أن عاش الخليج العربي أحداثا مهمة خلال العقدين الماضيين، وما مثلته من مرحلة تحولات اجتماعية وسياسية بالغة.

وأشار العنزي إلى شح الدراسات الببليوغرافية الراصدة وتتبع المنتج الروائي الخليجي، ذلك التتبع الذي لا يمكن أن يسلم من مزلق السهو الذي قد يسقط بعض المرويات حقها في أن تكون تحت دائرة الرصد، لافتا إلى ملاحظة أن الروائيين الخليجيين، قد استطاعوا أن يقدموا لنا خلال الأعوام الماضية، صورة الخليجي في المجتمعات الخليجية، ولفرط صدق الصورة، ما جعل الرواية الخليجية تمثل تاريخا اجتماعيا وسيرة مكتوبة لحياة الإنسان الخليجي في مجتمعه، وأضاف.. اجتذبت حياة المنسيين الروائيين الخليجيين، مصورين إلى حد كبير سمات العالم الذي يحياه المهمشون، ودنياهم الخاصة، فاتحين أعين المتلقين على واقع سحري غريب يوائم بين الحقيقة والأسطورة ليصور حياة المهمشين في الرواية. ويلاحظ أيضا أن الروائيين الخليجيين استطاعوا أن يقدموا نماذج متنوعة للإنسان المهمش ثقافيا، المعزول سياسيا واقتصاديا وجغرافيا، وبرهنوا على أن الروائيين المتشبثين بالحقيقة القابضين على الإدراك المستشرفين لطاقات النور قائمون ما قامت المجتمعات الحديثة، ولا شك في أن فئة الكتّاب تعدّ من أهم الفئات الاجتماعية الفاعلة القادرة على قيادة التحول في أي مجتمع، «بل لا نكون مبالغين إذا قلنا إن هذه الفئة ضرورية وأساسية في بناء المجتمعات». وإذ يصور الروائي الخليجي تاريخ الإنسان المعاصر وظروفه القاسية، عبر رواية ترثي لحالهم، فإنه يرصد عوالمهم ويعبر عن الموروث الثقافي والاجتماعي الذي يلفهم ويدورون في فلكه، مصورا بقلمه أبطالا حقيقيين كتبوا التاريخ بدمهم، ليس كما يراهم العالم الخارجي، وإنما كما يراهم الكاتب من الداخل، وهذه الشخصيات بطلة، برغم أنها تحيا على هامش المجتمع، وتفضل الإقامة على الحواف.

واختتم العنزي بالاشارة إلى أمر شاع لدى الروائي الخليجي وهو التطرق إلى ثيمات حساسة، لم يسبق له أن تناولها في أي جنس أدبي آخر، حيث مثلت الرواية متنفسا ملائما للكتابة على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وسعى الروائيون لنبش المسكوت عنه، وما يحدثه من شروخ في وفرة عددية في الآونة الأخيرة، لا نظير لها في تاريخ الرواية الخليجية. وكان هذا هو المشهد الروائي الخليجي لتصوير الإنسان الخليجي «سردانيا». الخطاب النسويّ الخليجي وحول (تمثيلات الخليجيّ في الخطاب النسويّ الروائيّ الخليجيّ: جدل التذكير والتأنيث الثقافيّ وإشكاليات الآخر) بحثت د. ضياء عبدالله الكعبيّ، أستاذة السرديات والنقد الأدبيّ- كلية الآداب، جامعة البحرين مستشهدة بستة أعمال روائية لروائيات خليجيات ينتمين إلى الإمارات والبحرين والسعودية والكويت. تقول الكعبي إنَّ نتائج هذه المقاربة وتأويلاتها تبقى مرهونة بحدود المدوَّنة المدروسة، وبالتالي لا تدعي هذه المقاربةُ أنها استطاعتْ استقصاء تمثيلاتِ الخليجيّ في السرد الخليجيّ لعدة أسباب أهمها ضخامة الإنتاج الخليجيّ المنتمي إلى الرواية الخليجيّة. وفي ملخص بحثها المطول تقول الكعبي: كشف تناولنا في هذه المقاربة النقدية المحدودة بحدود مدوّنة الدرس عن وجود تمثيلات ثقافية خاصة لصورة الخليجي (امرأة ورجلا) في الخطاب الروائيّ النسوي الخليجي لكاتبات من الجيل الجديد، ولا شكّ في أن أصوات التمرد على ازدواجيات المجتمعات الخليجية والرغبة في التمرّد تعكس بصورة أو بأخرى قلق الذات الأنثوية الساردة التي قد تقارب موضوعها أحيانا بصورة صادمة وجريئة. وأضافت.. لا شكّ في أن ثيمة الذات في علاقتها مع الآخر (الداخليّ أو الخارجيّ) شكّلت خصوصية سردية مائزة لبعض هذه الروايات مع تفاوت في توظيف مثل هذه الثيمة واختلاف في مدى التماسك السرديّ الناضج لهذه الروايات جميعها، كما كشفتْ هذه الروايات المختارة عن وجود حساسية سردية نسوية لافتة، خاصة في علاقة المرأة وبعلاقات التذكير والتأنيث الثقافيين. ويبقى هذا الموضوع بحاجة إلى استقراء أكبر، وهو جهد ضخم بحاجة إلى جهد مؤسسيّ بحثيّ لاستجلاء تمثيلات الذات والآخر في السرد الخليجيّ (القصة القصيرة والرواية). ولا شكّ في أن وجود بعض المخابر السردية في بعض الجامعات الخليجية (مختبر السرديات على سبيل المثال بجامعة الملك سعود) ما يعين على دراسة هذه التمثيلات ومقاربتها بمقاربات نقدية عميقة ويكون الناتج في ندوات رصينة وفي كتب محكمة.

 

 

Happy Wheels